للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كان افتخارا، كان شأوه أمدّ، وشرفه أجدّ، ولسانه ألدّ (١).

وإن كان اعتذارا، كان إلى القبول أقرب، وللقلوب أخلب، وللسّخائم أسلّ، ولغرب الغضب أفلّ، وفي عقد العقود أنفث، وعلى حسن الرجوع أبعث (٢).

وإن كان وعظا، كان أشفى للصدر، وأدعى إلى الفكر، وأبلغ في التنبيه والزّجر،


(١) الشأو: السبق والغاية والأمد. وقوله أجد أي: أعظم. والألد: الشديد الخصومة. ما يجيء في القرآن من بيان عظمة الله تعالى وكماله لا يسمى افتخارا ومثال هذا الضرب من الكلام العزيز وإن اختلفت التسمية قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ومثاله من الشعر قول عبد المطلب:
لا ينزل المجد إلا في منازلنا ... كالنوم ليس له مأوى سوى المقل
(رشيد).
(٢) السخائم: الضغائن، وسلها: نزعها واستخرجها، وغرب السيف: حده، وفل السيف: ثلمه، وللنفث في العقد هو النفخ فيها مع إلقاء شيء من الريق عليها لأجل تسهيل حلها. ومنه نفث الراقي في العقدة التي يعقدها ثم يحلها يوهم بذلك الناس أنه أبرم بعقدها رابطة المحبة بين فلان وفلانة وبحلها أنه حل ذلك العقد وأبطل ذلك الارتباط بسحره؟ وإن الكلام البليغ ليفعل بحسن التمثيل في حل عقد العقود ما لا يفعل السحر، وإن من البيان لسحرا. والاعتذار لا يوجد في القرآن إلا حكاية عن أصحاب المعاذير الكاذبة ليكون الاعتذار حجة عليهم فهو اعتذار في الظاهر واحتجاج في المعنى وأثره ما ذكر في الاحتجاج دون ما ذكر هنا كقوله تعالى: وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ وأما أمثلته في الشعر فكثيرة منها:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طرب ... فالطير يرقص مذبوحا من الألم
ومنها في الاعتذار عن صدود الحبيب:
بأبي حبيبا زارني في غفلة ... فبدا الوشاة له قولي معرضا
فكأنني وكأنه وكأنهم ... أمل ونيل حال بينهما القضا
ومن الاعتذار بذكر التمثيل ما وقع لأبي تمام في قصيدة يمدح بها أحمد بن المعتصم قيل: إنه كان ينشده إياها فبلغ قوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس
فلامه بعض الناس قائلا: قد شبهت ابن عم النبي صلّى الله عليه وسلّم بأجلاف العرب (أو ما هذا معناه) فأطرق هنيهة وقال ولم يكونا من القصيدة:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس
وعمرو هذا هو ابن جابر بن هلال الفزاري ويقال العمران له ولبدر بن عمرو بن جؤبة الفزاري- ومما يصلح للاعتذار من الأمثال قولهم: «كل امرئ في بيته صبي» يعتذر به عن الدعابة والاسترسال في المباسطة في الخلوة وقولهم: «لو ترك القطا ليلا لنام». (رشيد).

<<  <   >  >>