للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجدر بأن يجلّي الغياية (١)، ويبصّر الغاية، ويبرئ العليل، ويشفي الغليل (٢).

وهكذا الحكم إذا استقريت فنون القول وضروبه، وتتبّعت أبوابه وشعوبه (٣).


(١) الغياية بياءين مثناتين: كل ما أظلك من فوق رأسك كالسحاب ونحوه.
(٢) مثاله من القرآن الكريم قوله تعالى في وصف نعيم الدنيا: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً الكفار الزراع لأنهم يكفرون الحب أي: يسترونه بالتراب، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ الآية. وقوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا وقوله عز وجل: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، وقوله سبحانه: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ، وقوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وقوله في الآية الأخرى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ، وقوله في تمثيل من يحبط عمله الصالح بالإيذاء أو الرياء:
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ، وفي معناه قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ.
ومن الأمثال حديث: «إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» وحديث: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات»، ومن الشعر قول ابن النبيه:
الناس للموت كخيل الطراد ... فالسابق السابق منها الجواد
وقول غيره:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض
(رشيد).
(٣) يشير المصنف إلى سائر مناحي الكلام كالغزل والرثاء والوصف والشكوى وهي مع الذي ذكر وشائج متشابكة، وأمشاج متمازجة. وأعمها الوصف فهو الطويل الذيل، المتدفق السيل، ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ومثله قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي الآية. ومنها قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها
، وقوله بعده: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ وهكذا الحق يثبت والباطل يزهق. ومن ذلك الرؤى فإنها تمثيل الواقع الذي تعبر به كالرؤى المذكورة في سورة يوسف عليه السلام. ومثاله من الشعر قول ابن النبيه:
والليل تجري الدراري في بحرته ... كالروض تطفو على نهر أزاهره
وقول بعضهم في وصف الكأس يعلوها الحباب والساقي. (أو هذا من تعدد التشبيه):
وكأنها وكأن حامل كأسها ... إذ قام يجلوها على الندماء

<<  <   >  >>