قلنا: لا ريب أن كل مقيم في مكان ملازم له فهو عاكف كما تقدم, لكن الكلام في النوع الذي شرعه الله تعالى؛ كما أن كل ممسك يسمى صائماً, وكل قاصد يسمى متيمماً, ثم لما أمر الله تعالى بتيمم الصعيد وأمر بالإِمساك عن المفطرات؛ صار ذلك هو النوع المشروع.
على أن الصفة قد تكون للتبيين والإِيضاح؛ كما في قوله تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}[المؤمنون: آية ١١٧] , وقوله: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: آية ٦١] , ونحو ذلك.
فإن قيل: فلو لزم الإِنسان بقعة, يعبد الله تعالى فيها خالياً من الناس أو غير خال, مثل كهف أو غار أو بيت أو شعب؛ فهل يشرع ذلك ويستحب؟. . . .
قيل: أما إذا قصد مكاناً خالياً. . . .
وإنما جاز في كل مسجد؛ لأن الله سبحانه عمَّ المساجد بالذكر, ولم يخص مسجداً دون مسجد, وهو اسم جمع, معرف باللام, والمباشرة نكرة في سياق النفي, فيكون معنى الكلام: لا تفعلوا شيئاً من المباشرة وأنتم عاكفون في مسجد من المساجد.
وله أن يلزم بقعة بعينه لاعتكافه, وإن كره ذلك لغيره؛ لأن الاعتكاف عبادة واحدة؛ فلزوم المكان لأجلها كلزومه لصلاة واحدة وإقراء قرآن في وقت ونحو ذلك, وقيامه منه لحاجة لا تسقط حقه منه؛ لأن مَن قام من مجلس [ثم] عاد إليه؛ فهو أحق به.