للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَجِدُ غَيْرَهُمْ يُطْبَعُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ دُونَ جَمِيعِهَا وَيُولَدُ عَلَيْهَا فَيَسْهُلُ

عَلَيْهِ اكْتِسَابُ تَمَامِهَا عِنَايَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا نُشَاهِدُ مِنْ خَلْقِهِ بَعْضُ الصِّبْيَانِ عَلَى حُسْنِ السَّمْتِ أَوِ الشَّهَامَةِ أَوْ صِدْقِ اللِّسَانِ أَوِ السَّمَاحَةِ وَكَمَا نَجِدُ بَعْضُهُمْ عَلَى ضِدِّهَا، فَبِالاكْتِسَابِ يَكْمُلُ نَاقِصُهَا وَبِالرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ يُسْتَجْلَبُ مَعْدُومُهَا وَيَعْتدِلُ مُنْحرِفُهَا، وَبِاخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهَا، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَلِهَذَا مَا قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا: هَلْ هَذَا الْخُلُقُ جِبِلَّةٌ أَوْ مُكْتَسَبَةٌ؟ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ جِبِلَّةٌ وَغَرِيزَةٌ فِي الْعَبْدِ، وَحَكَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ هُوَ، وَالصَّحِيحُ مَا أصَّلْنَاهُ.

وَقَدْ رَوَى سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ الْخِلالِ يُطْبَعُ عَلَيْهَا المُؤْمِنُ إِلَّا الْخِيانَةَ وَالْكَذِبَ) وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ: والْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهُمَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ.

وَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ الْمَحْمُودَةُ وَالْخِصَالُ الْجَمِيلَةُ الشَّرِيفَةُ كَثِيرَةٌ وَلَكِنَّنَا نَذْكُرُ أُصُولَهَا وَنُشِيرُ إِلَى جَمِيعِهَا وَنُحَقِّقُ وَصْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.


(قوله عَلَى حُسْنِ السَّمْتِ) أي الطريقة وهيئة أهل الخير (قوله والشهامة) بفتح الشين المعجمة مصدر شهم الرجل بضم الهاء فهو شهم: أي جلد ذكى الفؤاد (قوله وَلِهَذَا مَا قَدِ اختلف) هكذا وقع في كثير من النسخ بزيادة (ما) للتأكيد (قوله والجرأة) هي الشجاعة على وزن الجرعة ويقال الجرة بفتح الراء وحذف الهمزة (*)