بِتِلَك الكلِمَتْين لِيُخَلّطُوا فِي تِلَاوَة النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم وبشنعوا عَلَيْه عَلَى عَادِتِهِم وقوْلِهِم (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ونُسِب هَذَا الفِعْل إِلَى الشَّيْطَان لِحَمْلِه لَهُم عَلَيْه وَأَشَاعُوا ذَلِك وَأَذَاعُوه وَأَنّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم قالَه فَحَزِن لِذَلِك من كَذبِهِم وَافتِرَائِهِم عَلَيْه فَسَلَّاه اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِه (وَمَا أَرْسَلْنَا من قبلك) الآيَة، وَبَيْن لِلنَّاس الْحَقّ من ذَلِك مِن الْبَاطِل وَحَفِظ الْقُرْآن وَأحْكَم آياتِه وَدَفَع مَا لَبَّس بِه العَدُوّ كَمَا ضَمِنَه تَعَالَى من قَوْلِه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون) وَمِن
ذَلِك مَا رُوِي من قِصَّة يُونُس عليه السلام أنَّه وَعَد قَوْمَه العذاب عن رَبَّه فَلَمّا تَابُوا كُشِف عَنْهُم العذاب فَقَال لَا أرْجِع إِلَيْهِم كَذَّابًا أبدًا فَذَهَب مُغَاضِبًا.
فاعْلَم أَكْرَمَك اللَّه أَنّ لَيْس فِي خَبَر مِن الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب أَنّ يُونُس عَلَيْه السَّلَام قَال لَهُم إنّ اللَّه مُهْلِكَهُم وَإِنَّمَا فِيه أنَّه دَعَا عَلَيْهِم بالْهَلاك، وَالدُّعَاء لَيْس بِخَبَر يُطْلَب صِدْقُه من كَذبِه، لكنه قَال لَهُم إنّ العذاب مُصَبّحُكُم وقت كذا وكذا فكان ذلك كَمَا قَال ثُمّ رَفَع اللَّه تَعَالَى عَنْهُم العذاب وَتَدَارَكَهُم، قَال اللَّه تَعَالَى (إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ) الآيَة وَرُوي فِي الْأَخْبَار أَنَّهُم رَأَوْا دَلَائِل الأعذاب وَمَخَايِلَه، قاله ابن مَسْعُود، وَقَال سَعِيد بن جُبَيْر غَشَّاهُم الْعَذَاب كما يُغَشّى الثَّوْب الْقَبَر.
فإن قُلْت فَمَا مَعْنَي مَا رُوِي أَنّ عَبْد اللَّه بن أَبِي سَرْح كَان يَكْتُب لِرَسُول اللَّه صلى الله عليه وآلِه وسلم ثُمّ ارْتَدّ مُشْرِكًا وَصَار إِلَى قُرَيْش فَقَال لَهُم إنّي كُنْت أُصَرّف مُحَمَّدًا حَيْث أُرِيد كَان يُمْلِي عَلِيّ عَزيز حَكِيم
(قوله ابن أبى سرح) بسين مهملة وراء ساكنة وحاء مهملة (*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute