للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَزَوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا فَلَيْس فِيه خُلْف فِي الْقَوْل إنَّمَا هُو سَتْر مَقْصِدِه لِئَلَّا يَأْخُذ عَدُوُّه حذره وكتم وجه ذَهَابِه بِذِكْر السُّؤال عَن موْضِع آخَر والْبَحْث عَن أخْبَارِه وَالتَّعْرِيض بِذِكْرِه لَا أنَّه يَقُول تَجَهَّزُوا إِلَى غزوة كذا أو وِجْهَتُنَا إلى موضع كذا خِلَاف مَقْصَدِه فَهَذَا لَم يَكُن والأول لَيْس فِيه خَبَر يَدْخُلُه الخُلْف.

فإن قُلْت فما معني قوله مُوسَى عَلَيْه السَّلَام، وَقَد سُئِل أَي النَّاس أعْلَم؟ فَقَال أنا أعلم فتعب اللَّه عَلَيْه ذَلِك إِذ لَم يَرُدّ الْعِلْم إليه - الْحَدِيث - وَفِيه قَال بَل عَبْد لَنَا بِمَجْمع الْبَحْرَين أعْلَم مِنْك وهذا

خبر قد أنبأ اللَّه أنه ليس كذلك فاعلم أنه وقع في هذا الحديث من بعض طرقه الصَّحِيحَة عَن ابن عَبَّاس هَل تَعْلَم أحَدًا أعْلَم مِنْك؟ فَإِذَا كَان جُوَابُه عَلَى عِلْمِه فَهُو خَبَر حَق وَصِدْق لَا خُلْف فِيه ولا شبهة، وعلى الطريق الآخر فمحمله على ظنه ومعتقده كما لو صرح به لأن حاله في النبوة والاصطفاء يقتضي ذلك فيكون إخباره بذلك أيضا عن اعتقاده وحسبانه صدقا لَا خُلْف فِيه وَقَد يُرِيد بِقَوْلِه أَنَا أعْلَم بِمَا يَقْتَضِيه وَظَائِف النُّبُوَّة من عُلُوم التَّوْحِيد وَأمُور الشَّرِيعَة وَسِيَاسَة الْأُمَّة وَيَكُون الخَضر أَعْلَم مِنْه بِأُمُور أخَر مِمَّا لَا يَعْلَمُه أحَد إلَّا بإعْلام اللَّه من عُلُوم غَيْبِه كَالقِصَص المَذْكُورَة فِي خَبَرِهِمَا فكان مُوسَى عَلَيْه السَّلَام أعْلَم عَلَى الْجُمْلَة بِمَا تَقَدَّم وَهَذَا أَعْلَم عَلَى الْخُصُوص بِمَا أُعْلِم وَيَدُلّ عَلَيْه قَوْله تَعَالَى: (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لدنا علما) وَعَتْب اللَّه ذَلِك عَلَيْه فِيمَا قَالَه الْعُلمَاء إنْكَار هَذَا القَوْل عَلَيْه لِأَنَّه لَم يَرُدّ الْعِلْم إليه كَمَا قَالَت الْمَلَائِكَة لَا عِلم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا أو لِأَنَّه لَم يَرْض قَوْله شَرْعًا وَذَلِك والله أعْلَم لِئَلَّا يَقْتَدي بِه فِيه من لَم يَبْلُغ كماله فِي تَزْكِيَة نَفْسِه وَعُلُوّ دَرَجته من أمَّتَه فَيَهْلِك لَمّا تَضَمَّنَه من مَدْح الْإِنْسَان نَفْسَه