للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهَا لَا غَفْلَة عَنْهَا وَاحْتَجّ بِقَوْلِه فِي الرّوَايَة الْأُخْرَى إني لَا أنْسى، وَذَهَبَت طَائِفَة إِلَى مَنْع هَذَا كُلّه عَنْه وقالوا: إنّ سَهْوَة عَلَيْه السَّلَام كَان عَمْدًا وَقَصْدًا لِيَسُنّ وَهَذَا قَوْل مَرْغُوب عَنْه مُتَنَاقِض المَقَاصِد لَا يُحْلَى مِنْه بِطائِل لِأَنَّه كَيْف يَكُون مُتَعْمّدًا سَاهِيًا فِي حَال وَلَا حُجَّة لَهُم فِي قَوْلِهِم إنَّه أمِر بِتَعَمُّد صُورَة النّسْيَان ليَسُنّ لِقَوْلِه: (إِنِّي لأَنْسَى أَوْ أنسى) وقد أثبت أَحَد الوصفين وَنَفَى مناقضة التَّعَمُّد وَالقَصْد وَقَال (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ) وَقَد مال إِلَى.

هَذَا عَظِيم مِن المُحَقّقِين من أئِمَّتِنَا وَهُو أبو المُظَفَّر الاسْفِرَائنيّ وَلَم يَرْتَضِه غَيْرِه مِنْهُم وَلَا أرْتَضِيه وَلَا حُجَّة لِهَاتَيْن الطّائِفَتَيْن فِي قَوْلِه (إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى) إِذ لَيْس فِيه نَفْي حُكْم النّسْيَان بالْجُمْلَة وَإِنَّمَا فِيه نَفْي لَفْظِه وَكَرَاهَة لقبله كَقَوْلِه

(بَئْسَمَا لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَلكِنَّهُ نُسِّيَ) أَو نَفْي الغَفْلَة وقله الاهْتِمَام بِأمْر الصَّلَاة عَن قَلْبِه لَكِن شغل بِهَا عَنْهَا ونسى بَعْضَهَا ببعضها كَمَا تَرَك الصَّلَاة يَوْم الخَنْدَق حَتَّى خَرَج وَقْتُهَا وَشُغِل بالتَّحَرُّز مِن العَدُوّ عَنْهَا فَشُغِل بِطاعَة عَن طَاعَة وَقِيل إنّ الَّذِي تُرِك يَوْم الخَنْدُق ارْبَع صَلَوات، الظُّهْر، وَالعَصْر، والمَغْرِب، وَالعِشَاء، وَبِه احْتَجّ من ذهب إلى جواز تأخير الصَّلَاة فِي الخوف إذَا لَم يتمكن من أدائها إلى وقت الأمن وَهُو مذهب الشاميين والصحيح أَنّ حكم صَلَاة الخوف كَان بَعْد هَذَا فَهُو ناسِخ لَه.

فَإِنّ قُلْت فَمَا تقول في نَوْمِه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم عَن الصَّلَاة يَوْم الْوادِي وَقَد قَال: (إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) : فاعْلَمْ أن للعلماء عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ مِنْهَا أَنّ الْمُرَاد بأن هَذَا حُكْم قَلْبِه عِنْد نَوْمِه وَعَيْنَيْه فِي


(قَوْلِه لَا يحلى) بضم المثناة التحتية وسكون الحاء المهملة.
(*)