وَبَيَانًا بأن يُقَال لَوْلَا مَا كُنْتُم مُؤْمِنين بالقرآن وَكُنْتُم مِمَّن أُحِلَّت لَهُم الْغَنَائِم لَعُوقِبْتُم كَمَا عُوقِب من تَعَدَّى، وَقِيل: لَوْلَا أنَّه سَبَق فِي اللّوح المَحْفُوظ أنَّهَا حَلَال لكم لَعُوقِبْتُم، فَهَذَا كله ينفي الذنب والمعصية لِأَنّ من فعل مَا أحل له لَم يعص، قَال اللَّه تَعَالَى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طيبا) وَقِيل: بَل كَان صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم قد خير فِي ذَلِك، وَقَد رُوِي عَن عَلِيّ رضي الله عَنْه قَال جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ خَيْرُ أَصْحَابِكَ فِي الأُسَارَى إن شاؤا القتل وإن شاؤا الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يقتل منهم فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِثْلُهُمْ، فَقَالُوا الْفِدَاءُ وَيَقْتَلُ مِنَّا، وَهَذَا دليل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا وَأَنَّهُم لَم يَفْعَلُوا إلَّا مَا أُذَن لَهُم فِيه لكِن بَعْضَهُم مال إلى أضْعَف الْوَجْهيْن مِمَّا كَان الْأَصْلَح غَيْرَه مِن الإثْخَان وَالقَتْل فعونبوا عَلَى ذَلِك وَبَيْن لَهُم ضَعْف اخْتيارِهِم وَتَصَويب اخْتِيَار غَيْرِهِم وَكُلُّهُم غَيْر عُصَاة وَلَا مُذْنِبِين وَإِلَى نَحْو هَذَا أشَار الطَّبَرِيّ، وَقَوْلُه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم فِي هَذِه الْقَضيَّة
(لَو نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ) إِشَارَةً إِلَى هَذَا مِنْ تَصْويِبِ رَأْيِهِ وَرَأْيِ مَنْ أَخَذَ بِمَأْخَذِهِ فِي إِعْزَازِ الدِّينِ وَإظْهَار كَلِمَتِه وَإبادَة عَدُوّه وَأَنّ هَذِه القضية لو استوجبت عذابا نجا مِنْه عُمَر وعين عُمَر لِأَنَّه أَوَّل من أشَار بِقَتْلِهِم وَلَكِن اللَّه لَم يُقَدّر عَلَيْهِم فِي ذَلِك عَذَابًا لِحلّه لَهُم فِيمَا سَبَق، وَقَال الدَّاوُدِيّ والخَبَر بَهَذَا لَا يَثْبُت، وَلَو ثَبَت لَمّا جَاز أن يُظَنّ أَنّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم حَكَم بِمَا لَا نَصّ فِيه وَلَا دَلِيل من نَصّ وَلَا جُعِل الْأَمْر فِيه إليْه وَقَد نَزَّهَه اللَّه تَعَالَى عَن ذَلِك، وَقَال الْقَاضِي بَكْر بن الْعَلَاء أخبر الله تعالى نبه فِي هَذِه الآيَة أَنّ تَأْوِيلَه وَافق مَا كَتَبَه لَه من إحْلَال
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute