للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعاصي واحتجُّوا بِقَوْلِه تَعَالَى (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وبقوله (وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) وبقوله (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يفترون) وبقوله (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عبادته) الآية، وبقوله (كرام بررة) و (لا يَمَسُّهُ إِلا المطهرون) وَنَحْوَه مِن السَّمْعِيَّات، وذهبت طائفة إن أَنّ هَذَا خُصُوص لِلْمُرْسَلِين مِنْهُم وَالمُقَرَّبِين، واحْتَجُّوا بأشْيَاء ذَكَرَهَا أهْل الْأَخْبَار والتَّفَاسِير نَحْن نَذْكُرُهَا إن شَاء اللَّه بَعْد وتبين الْوَجْه فِيهَا أن شَاء اللَّه، والصواب عصمة جميعهم وتنزيه نصابهم الرفيع عَن جميع مَا يحط من رتبتهم ومنزلتهم عَن جليل مقدارهم ورأيت بَعْض شيوخنا أشَار بأن لَا حاجة بالفقيه إِلَى الْكَلَام فِي عصمتهم.

وَأَنَا أقول إن للكلام فِي ذَلِك مَا للكلام فِي عصمة الْأَنْبِيَاء مِن الْفَوَائِد التي ذَكَرْنَاهَا سوى فائدة الْكَلَام فِي الأقوال والأفعال فهي ساقطة ههنا، فما احْتَجّ بِه من لَم يُوجِب عصمة جميعهم قِصَّة هاروت وماروت وَمَا ذَكَر فيها أهل الْأَخْبَار ونَقَلَة الْمُفَسّرِين وَمَا رُوِي عَن عَلِيّ وَابْن عَبَّاس فِي خبرهِمَا وابْتلائِهِمَا، فاعلم أكْرَمَك اللَّه أَنّ هَذِه الأخْبَار لَم يُرْو منها شئ لَا سَقِيم وَلَا صَحِيح عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَلَيْس هُو شَيْئًا يُؤْخَذ بِقِيَاس وَالَّذِي مِنْه فِي الْقُرْآن اخْتَلف الْمُفَسِّرُون فِي مَعْنَاه، وَأنْكَر مَا قَال بَعْضُهُم فِيه كَثير مِن السَّلَف كَمَا سنذكره، وهذه الْأَخْبَار من كُتُب اليَهُود وَافْتِرَائِهِم كَمَا نَصَّه اللَّه أَوَّل

الآيات مِن افْتِرَائِهِم بِذَلِك عَلَى سُلَيْمَان وتَكْفِيرِهِم إيَّاه، وَقَد انْطَوَت الْقِصَّة عَلَى شُنَع عَظِيمَة وها نحن نحبر فِي ذَلِك مَا يشكف غِطَاء هَذِه