للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: إذا رأيتَ أهلَ البَادِية -وهذه الصفة غالبة عليهم وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة- تُبسَطُ لهم الدّنيا حتى يتباهَوْا في البُنيان فذلك مِن علاماتِها. وقَد وُصِفوا في حديث أبي هُريرة بأنهم "صُمٌ بكم" أي: جَهَلة رَعاع، لم يَسْتَعمِلوا أسماعهم ولا كلامهم في عِلم، ولا في أمر دينهم، وهو نحو قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: ١٨] أطلَقَ ذلِكَ عليهم.

قال قتادة: " {صُمٌّ} عن استماع الحَقِّ {بُكْمٌ} عن التَّكَلُّم به {عُمْيٌ} عن الإبصار له" (١).

معَ أَنَّ لهم الأسماع والأبصار؛ لكن لَمَّا لَمْ تحصل لهم ثمرات ذلك صاروا كأنهم عُدِمُوا أَصلَها، وقد أوضَح هذا المعنى قوله تعالى: {هُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٩].

والقَصْدُ مِن الحديث: الإخبارُ عن تبدُّلِ الحالِ، بأن يستولي أهلُ البادِيَة الذينَ هذهِ صِفاتُهُم على أهلِ الحاضِرة، ويَتَمَلَّكُوا بالقَهْر والغَلَبَة، فَتكثر أموالُهُم، وتتَّسِع في الحُطَام آمالهم، فَتَنْصَرف همَّتُهم إلى تشييد المباني، وهَدْمِ الدِّين [وشريف المعاني] (٢)، وقد جاءَ في الحديث: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَكونَ أسعَدَ الناس بالدُّنْيَا لُكَعُ بنُ لُكَع" (٣).


(١) رواه الطبري (١/ ٣٣١ رقم ٤٠١)، وابن أبي حاتم (١/ ٥٣ رقم ١٧٤) في تفسيريهما.
(٢) ما بين المعقوفتين من "المفهم" (١/ ١٤٩) وبه يتم سياق الكلام المسجوع.
(٣) رواه أحمد (٣٨/ ٣٣٤ رقم ٢٣٣٠٣)، والترمذي: الفتن (٤/ ٧٠ رقم ٢٢٠٩)، والداني في "الفتن" (٤/ ٨٠٢ رقم ٤٠٧)، والبغوي في "شرح السنة" (١٤/ ٣٤٦ رقم ٤١٥٤)، والبيهقي في "الدلائل" (٦/ ٣٩٢)، عن حُذيفة - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح، وقد صححه الألباني في "صحيح الترمذي" (١٧٩٩).
و"لُكع بن لكع" -هنا-: هو اللئيم بن اللئيم. انظر: "غريب الحديث" للخطابي (٣/ ١٠٣)، و"النهاية" لابن الأثير (٤/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>