للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى على هذا: إذا نُزِعَ عنكَ الحياء فافعل ما شِئتَ، فَإِنَّهُ تعالى يُجازيكَ عليهِ، ويكونُ هذا تعظيمًا لأمرِ الحياء، وتبيينًا لوضْعِهِ عندَ فَقْدِه.

وعلى الأول معناه: إذا لَمْ تَسْتَحِ صَنَعْتَ مَا شِئْتَ؛ لأنَّ عَدَمَ الحياء يُوجِبُ الانهِمَاكَ في هَتْكِ السِّتْرِ، وقد ثبتَ أنَّ: "الحياء شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإيمانِ" (١).

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "الحياءُ لا يَأتِي إلَّا بِخَيْرٍ"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحياءُ خَيْرٌ كلُّهُ" (٢).

وقال -عليه الصلاةُ والسَّلام-: "اسْتَحْيُوا مِن الله حَقَّ الحَيَاءِ" (٣).

رابعها: معنى: "إنَّ مِمَّا أدركَ الناس": أنَّ الحياءَ لَمْ يَزَل مستَحَبًا مُسْتَحْسَنًا في شرائعِ الأنبياء الأوَّلين، وأَنَه لم يُنْسَخ مِن جُمْلَةِ مَا نُسِخ مِن شرائِعهم، ولا شَكَّ أنهُ مِن الخِصَالِ الشَّريفة، والصِّفاتِ المنيفة، وهو خيرٌ كُلُّهُ كما سلف (٤)، ولكن لا ينبغي أن يغلبه حتى يستحي فيما يَضُرُّه مِن أمرِ دينهِ


(١) رواه البخاري (١/ ١١ رقم ٩)، ومسلم (١/ ٦٣ رقم ٣٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) هذا والذي قبله حديث واحد رواه البخاري (٨/ ٢٩ رقم ٦١١٧)، ومسلم (١/ ٦٤ رقم ٣٧) من حديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه -.
(٣) رواه أحمد (٦/ ١٨٧ رقم ٣٦٧١)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٩/ ٥٩ رقم ٣٤٣٢٠)، والترمذي (٤/ ٢٤٦ رقم ٢٤٥٨)، والبزار (٥/ ٣٩١ رقم ٢٠٢٥)، والحاكم (٤/ ٣٢٣)، وأبو يعلى (٨/ ٤٦١ رقم ٥٠٤٧)، والطبراني في "الكبير" (١٠/ ١٥٢ رقم ١٠٢٩٠)، و"الصغير" (١/ ٢٩٨ رقم ٤٩٤) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
(٤) قال الصالحي (ت: ٩٤٢ هـ) في "سبل الهدى والرشاد" (٧/ ٤٢): "الحياء من الحياة، ومنه الحَيَا للمطر، وعلى حسب حياة القلب يكون في قوم خُلُق الحياء، وقِلَّة الحياء من موت القلب والروح، وكلما كان القلب حيًّا كان الحياء أتم. وهو في اللغة: تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يُطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، وفي الشرع: خُلُقٌ يبعثُ على اجتناب القبيح، ويمنع عن التقصير في حقِّ ذي الحق".

<<  <   >  >>