للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عادَةً إلَّا بما يَقْدِرُ عليه؛ فمعنى "حَرَّمتُ الظلمَ على نفسي": مَنَعْتُهَا منهُ، ولأَنهُ تعالى عامل عِبادَهُ معامَلَةَ المستأجر مع الأجير حيث قال لأهل الكتاب: "هَلْ ظَلَمْتكُمْ مِنْ أُجُورِكُمْ شَيئًا؟ قالوا: لا. قال: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتيهِ مَنْ أَشَاءُ" (١).

والمُسْتَأْجِرُ مِنَّا يَصِحُّ مِنهُ ظُلْمُ الأُجَرَاء؛ ولأَنَّ تركَ الظُّلم مع المَكَانَةِ والقُدْرَةِ عليه أَمْدَحُ مِن تركِهِ مع استحالَتِهِ والعجز عنهُ، كما أنَّ تَرْكَ الفَحْل الزِّنَا أَمدَحُ لهُ بالعَفَاف مِن الخَصيِّ والعِنِّين (٢)، وليس هذا موضِعَ الخوض فيه (٣).

ومعنى: "وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا": حرَّمتُهُ عليكم ومَنَعْتكُمْ مِنهُ شَرْعًا.

والظلمُ لغةً: وضعُ الشَّيءِ في غير مَوْضِعِهِ.

وشرعًا: التَّصَرُّفُ في غير مُلكٍ أو في مُلكِ الغَيْر.

[ويحتجُّ بها أهلُ القدر، ووجهُ الحجَّةِ أنَّهُ نَهَى عن الظلم، فلو كان خالِقًا له لكان ناهيًا عمَّا خلق، وهو باطل] (٤).


(١) رواه البخاري (١/ ١١٦ رقم ٥٧٧ وانظر أطرافه فيه) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٢) العِنِّين: هو الذي لا يُمكِنه الوطء، وقيل: هو الذي له ذَكَرٌ ولا يَنْتشِر. والخَصِيُّ: هو مَن سُلَّت خِصيتاه. "المُغني" (١٠/ ٨٢، ٨٥)، "الإنصاف" (٢٠/ ٤٨٣)، و"المُطْلع" (٢٣٣)، وانظر الألفاظ ذات الصلة بهما والأحكام المترتبة عليهما في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (١٩/ ١١٩ - ١٢٦).
(٣) بعدها في الأصل هذه العبارة: "وجوابه: أن لله ... يخلقه حقيقة" وقد أَخَّرتُ هذه العبارة إلى ما بعد خمسة أسطر؛ لأن العبارة لا تستقيم إلا بهذا، ولأن هذا هو ترتيب الطوفي لهذه الجُمَل، والظاهر أن نظر الناسخ انتقل فأسقط وقدَّم، وهذه الجملة جواب على اعتراض وهو غير موجود في النسخة الخطيَّة! وقد أثبتهُ من "التعيين" للطوفي كما سيأتي في التعليق الآتي، وبالله التوفيق.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل! وقد استَدْرَكْتُهُ مِن "التعيين" (١٨٥)؛ لأن المؤلف ذَكَرَ جوابَ الشُّبهةِ ولم يذكر الشُّبهةَ، وبما أنَّهُ استفادَها من الطُّوفي أثبتُّها من كلامه.

<<  <   >  >>