للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلتُ: وقد قال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ} [الأنبياء: ١١٢] "وَأَمْرُ الرَّبِّ تعالى لِرَسُولِهِ بذِلِكَ دليلُ الجَوَازِ، والإِجَابة والعِدَة بها". كما قال ابن عطية في "تفسيره" (١). وكذا قوله: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ} [المؤمنون: ١١٨] لا فَرْقَ بين قوله: {احْكُمْ بِالْحَقِّ} أو: "لا تحكم إلَّا بالحق" إلَّا أَنْ يَكُونَ المَعنى: عامِلْهُم بِعَدْلِكَ وفَضْلِكَ (٢)، فيكون دَعَاء عليهم.

وقريبٌ مِن هذا مَا نُقِلَ عن بعض العُلَمَاء أنَّهُ قال في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: ٢٨٦] الآية: إِنَّ مِنَ الاعتِدَاءِ أَنْ تؤمِّنَ عندَ قراءَةِ هذه الثلاثة لا عندَ قولِهِ: {وَاغْفِرْ لَنَا} [البقرة: ٢٨٦] إلى آخر السورة، وهو خِلاف مَا جَاءَ في "صحيح مسلم" (٣)، فإن فيه: "قال: نعم" في الجميع.

ويُروَى أَنَّ جبريل قال -لمَّا قَرَأَ ذلِكَ رَسُوله- قال: "نعم، قد فَعَلَ" في الجميع إلى آخر السورة (٤).

رَجَعْنَا إلى مَا كُنَّا فيه؛ والمعنى: أَنَّهُ لابُدَّ مِن اقتِصَاصِي للمَظلُوم مِن الظالم، ومِصْدَاقُهُ قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: ١٤٨] والمعنى -والله أعلم-: أنَّهُ نَدْبٌ أو إِبَاحَةٌ للمظلوم أنْ يجهَر بِذِكر قِصَّته باسم مَن ظَلَمَهُ؛ ليقَعَ بذلِكَ بينَ النَّاس فيكون مشاع ذلك عذرًا للقدر للإيقاع بالظلم، ليجمع في ذلك بينَ أَنْ يَعْرِفَ النَّاسُ أَنه الله سبحانه لم


(١) "المحرر الوجيز" (٦/ ٢٠٩).
(٢) الواو زيادة مني لأنَّ السياق يقتضيها.
(٣) (١/ ١١٥ رقم ١٢٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٤) رواه الطبري في تفسيره (٦/ ١٤٣ رقم ٦٥٣٥، ٦٥٣٦) عن الضحَّاك مرفوعًا، وهو ضعيف لإرساله، ورواه عن السدي (٦٥٣٦) وحاله كسابقه.

<<  <   >  >>