ويُعبَدَ بالإخلاص على خَلْوَةٍ منَ الناس حيث تَسْلَمُ الأعمال -غَالِبًا- عن الرِّيَاءِ والنِّفَاق ومُشاهَدَةِ الخَلْقِ، أَوَ لا يَسْتَحِيي المؤمنُ أنْ يُنْفِقَ الليل فيما خُلِقَ له مِنَ الطَّاعةِ حتى يُخْطئَ فيه ويعصي الله في مطاويه، والنهار لا يخطئ فيه جهارًا، يشهد له الخلق عند الحقِّ.
وانظر إلى قوله:"جميعًا" مَا أحسَنَهُ لِئَلَّا يحصل القنوط، وهو مثل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣] وهو عَامٌّ خُصَّ مِنهُ الشِّرك وما شاءَ ألَّا يغفره؛ لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨].
وقوله:"بالليل والنهار" وهو مِن باب مُقَابَلَةِ الجَمع بالجمع؛ أي: تصدُرُ منكم الخَطِيئَات لَيلًا ونهارًا، من بعضكم ليلًا، ومن بعضكم نهارًا، إذ الغالب أَنَّ العبدَ لا يَسْتَغْرِقُ الزَّمَنَ كُلَّهُ في الخطايا.
سَادِسُها: قوله "يا عبادي! إِنَّكُم لَن تَبْلُغُوا ضَرِّي ... " إلى آخره؛ أي: لا يتعلق بي ضُرٌّ ولا نَفْعٌ فتضروني أو تنفعوني؛ ولأن العبد فقير مطلق، والرب جل جلاله غني مطلق، والفقير المطلق لا يملك ضرًّا ولا نفعًا خُصُوصًا للغني المطلق، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} [فاطر: ١٥] وقام الإجماع على تنزيه الباري تعالى وتَقْدِيسه، وأَنَّهُ غَنِيٌّ بذاته، لا يَلْحقهُ ضُرٌّ
(١) رواه مسلم (٤/ ٢١٠٦ رقم ٢٧٤٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.