وَظَاهِرُ الحديثِ: أنَّ لِضره ونفعه غاية، لكن لا يبلغها العباد، فلتؤول على ما دل عليه الإجماع.
سابِعُها: قوله: "يا عبادي! لو أَنَّ أَوَّلَكُم وآخِرَكُم ... " إلى آخره؛ أي: تَقْوَاهُم لا يَزيدُ في مُلْكِهِ شيئًا، ولا فُجُورهم ينقصه؛ لأن مُلْكَهُ مُرْتَبطٌ بقدرته وإرادته، وهما دائمان لا انقطاع لهما، فكذا مَا ارتَبَطَ بهِمَا، وإنما غائِلَةُ الفُجُور على أهلهِ تَعُود؛ فالتَّقْوَى رحمةٌ لهم وسعادة، والفجور نِقمَةٌ وشقاوة.
ثامِنُها: قوله "يا عبادي! ... " إلى آخره، فقوله:"في صَعِيدٍ وَاحِدٍ" أى: في أَرْضٍ واحِدَةٍ ومَقَامٍ وَاحِدٍ.
وقوله:"مَا نَقَصَ ... " إلى آخره، سَبَبُهُ: أنَّ مُلْكَهَ بين الكاف والنون، إذا أرادَ شيئًا قال له: كن، فكان.
وفي بعض الآثار:"عَطَائِي كَلامٌ، وَرِضَائِي كَلامٌ"(١) أو نحو ذلك، وقد سلف بعضه عن "سنن ابن ماجه" إشارة إلى "كُنْ" ولا يُسْتَنْكَرُ العَطَاءُ الكبير مع عَدَمِ النَّقْص؛ فالنار والعِلْمُ يُقْتبسُ مِنْهُما مَا شاء الله ولا يَنْقُصُ منهما شيء، بل يَزيدُ العِلمُ على الإِعْطَاء، وهذا مَثَل قُصِدَ بهِ التَّقْرِيبُ للأَفهَام بِمَا تُشَاهِدُهُ؛ فَإِنَّ مَاءَ البحر من أعظم المرئِيَّات وأكبَرها، وغَمْسُ الإبرة فيه لا يؤثر، فَضَرَبَ ذلك مَثَلًا لخزائِن رحْمَته وفَضْلِه؛ فإنها لَا تَنْحَصِر ولا تَتَنَاهَى، وأَنَّ مَا أُعْطِي مِنها مِن أَوَّلِ الخَلْق، ومَا يُعْطى منها إلى يوم القيامة لا ينقصُ منها شيئًا، وهذا نحو قوله في الحديث الآخر: "يَمِينُ اللهِ مَلأَى سَحَّاءُ اللَّيلَ والنَّهارَ، لَا يَغِيضُها
(١) تقدَّم تخريجه قريبًا، وهذا اللفظ رواه أحمد والترمذي والبزار.