للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيها: يحتمل كما قال القاضي: "تسميتها: صدقة" أنَّ لها أَجْرًا [كَمَا للصَّدَقَةِ أَجْرٌ] (١) وأنَّ هذهِ الطَّاعَاتِ تُمَاثِلُ الصَّدَقَاتِ في الأجور، وسمَّاها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام" (٢).

وقيل معناه: أنها صدقة علي نفسه، والأول أَظْهَر؛ فأَجْرُ التَّسبِيح وَمَا بعده كأجر الصيام وأجر الصلاة في الجنس؛ لأن الجميع صادِر عن مَرضَى الرَّبِّ تعالى مُكافأة على طاعته، أَمَّا في القَدْرِ والصِّفة فَتَتَفَاوَت بِتَفاوت الأعمال في مَقَادِيرها؛ فليس ثواب ركعتين، أو صوم يوم كثواب أربع ركعات، وصوم يومين، وليس ثوابُ عِتق رَقَبَةٍ نَفِيسَةٍ كَدُونِها.

فالمعنى: "بِكُلِّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةً" ومَا بعده، أي: حسنةً كحسنةِ صدقة في الجنس؛ لأَنَّ الأعمال مُقَدَّرَةٌ بالحسنات بدليل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] والحسنة صِفَةٌ (٣) في الأصل تستعمل في العمل وجزائه يُقال: عَمِلَ فُلانٌ حَسَنَةً، فَجَزَاؤُهُ حسنة، أي: عَمِلَ خَصلَةً فَجزاؤه خصلة حسنة ثانية من الله. والمراد لسببها؛ كقوله -عليه الصلاة والسلام-: "في النَّفْسِ المُؤْمنَةِ: مِائَةٌ منَ الإِبِلِ" (٤) أي: بسبب قَتْلِها وجوب مائة.


(١) في "الأصل": "كهي". والمثبت من "الإكمال".
(٢) "إكمال المُعْلِم" (٣/ ٥٢٦).
(٣) في الأصل: "صدقة"، والتصويب من "التعيين" (١٩٥).
(٤) رواه لمالك في "الموطأ" (٢/ ٤١٧ رقم ٢٤٥٨)، والشافعي في "مسنده" (٢/ ١٠٨ رقم ٣٦٣)، وأبو داود في "المراسيل" (١٩٥ رقم ٩٤، ٩٥، ٩٦)، والنسائي في "الصغرى" (٨/ ٨٥ رقم ٤٨٥٣)، و"الكبرى" (٦/ ٣٧٣ رقم ٧٠٢٩ إلى ٧٠٣٣)، والدارمي (٣/ ١٥٣٠ رقم ٢٤١٠، ٢٤١١)، وابن حبان (١٤/ ٥٠١ رقم ٦٥٥٩)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٩٥ - ٣٩٧)، والبيهقي في "الكبرى" (٨/ ٨٠ - ٨١)، من حديث عمرو بن حزم - رضي الله عنه - الطويل في الدِّيات.
والحديث صحَّحه ابن عبد البر في "التمهيد" (١٧/ ٣٣٨)، والألباني في الإرواء (٧/ ٢٦٨، ٣٠٠ رقم ٢٢١٢، ٢٢٣٨) وغيرهم، وانظر في تخريجه: "البدر المنير" للمؤلف (٨/ ٣٧٧ - ٣٨٧). =

<<  <   >  >>