للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحوه، فهو بِرٌّ، أو يكره، فإنْ كان جارحيًّا كالمحرمات فَإِثمٌ، وإِنْ كانَ قَلْبِيًّا فهو إما: مُسْتَقِلٌّ، أو غيره.

فالأول: بألَّا يتوقف الجزاء عليه على عمل؛ كالكبر ونحوه فهو إثم.

والثاني: الهَمُّ بِمُحَرَّمٍ؛ فإن لم يوجد تصميم فلا إثم للتجاوز عنه، ويثاب عليه؛ لأنه حاكَ (١) في النفس؛ وكره اطلاع الناس عليه، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - في مثل هذا أنَّه "صَرِيحُ الإِيمَانِ" لَمَّا قيل له: "إِنَّا نَجِدُ في أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَنْطِقَ بِهِ" (٢) أي: إعظام النطق له، وذلك صريحُ الإيمان.

وكذا إذا هَمَّ بمُحَرَّمٍ ثم نَفَرَتْ نفسه منه أُثيبَ عليه إذ لم ينفر مِنه إلَّا مِن الإيمان وصار من باب: "اكتُبُوها لهُ حَسَنَةً؛ إِنَّمَا تَرَكها مِنْ جَرَّاي" (٣) أو قريبًا مِنْهُ، وإن صَمَّمَ فهو إِثمٌ؛ لقوله: "الإثْمُ: مَا حَاكَ في نَفْسِكَ" إلى آخره، وهذه مسأَلةٌ خِلَافِيَّةٌ.

وكأَنَّ الحديث يقتَضي أنَّ الخَطَرَات والهمم الضعيفة بالحرام إثمٌ، ولكن خُصَّ عمومه بالتجاوز عنه جمعًا بين الأدلة.

وحينئذ نَقُول -في كُلِّ عزمٍ على مَعْصِيةٍ بَدَنِيَّةٍ-: هذا العزم يحيك في النفس ويكره أن يطلع عليه الناس، وكلما كان كذلك فهو إثم؛ فهذا العزم إثم، ومما يشهد لهذَا: الحَديث الآخر: "إِنَّهُ كانَ حَريصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ" (٤) فَعَلَّلَ


(١) في الأصل: "لأن له حال" والتصويب من "التعيين" (٢٠٦).
(٢) رواه مسلم (١/ ١١٩ رقم ١٣٢) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وجَدْتُمُوهُ"؟ قالوا: نعمْ. قالَ: "ذَلِكَ صَريحُ الإيمَانِ".
(٣) رواه مسلم (١/ ١١٧ رقم ١٢٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. و"جَرَّاي" بالمدِّ والقصر -لغتان- معناه: مِن أجلي.
(٤) رواه البخاري (١/ ١٥ رقم ٣١)، ومسلم (٢٢١٣/ ٤ رقم ٢٨٨٨) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>