للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دخُولَه النار بحرصه على قتل صاحبه، وهو عزمٌ مُجَرَّدٌ، لا يُقَال: إِنَّ هذا حِرصٌ اقتَرَنَ به العمل، وهو لقاؤُهُ خَصْمه بالسَّيف، فاندرجَ تحتَ قوله في الحديث: "مَا لَمْ تَعْمَلْ" (١)؛ لأنه عَلَّلَ دخولَ النار بمُجَرَّدِ الحِرصِ. ومما يَشْهَدُ لذلك حديث: "الرِّجَالُ أربعةٌ: رَجُل أُوْتِيَ مَالًا فَنَفَّقَهُ في البِرِّ، ورَجُلٌ قال: لَوْ كَانَ لي مِثلُ مَا لِفُلانٍ لَفَعَلْتُ كمَا فَعَلَ؛ فَهما سَواءٌ في الأَجْرِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَأَنْفَقَهُ في الفُجُورِ، وَرَجُلٌ قال: لَوْ كَانَ لي مِثلُ مَا لِفُلَانٍ لَفَعَلْتُ مِثلَ مَا فَعَلَ؛ فَهما سَوَاءٌ في الإِثْمِ" (٢). فهذا وِزْرٌ على العزم المُجَرَّدِ على المعصية، إذْ لَمْ يُقَارنه فعل معصية.

نعم؛ قد يُقال: قارَنَهُ القول، وهو "لَوْ كَانَ لي" إلى آخره، فاندرج تحت قوله: "أو تَكَلَّم به" لكن معنى الحديث: ما لم يتكلم به كلامًا مُؤَثَرًا في المفسدة، مثل أن يعزم على القذف فيقذف، أمَّا كلامٌ لا أثرَ له فيها فوجوده كَعَدَمِهِ.

وقوله: "لَوْ كَانَ لي" إلى آخره مِنْ ذَلِكَ، وبقي (٣) ترتيب الوزر على مجرد العزم. وهذا مِن بابِ تَنْقِيحِ المَنَاط، فحذف ما لا يصلح لتعلق الحكم به من الأوصاف، وانتِقَاء ما يصلح لذلك منها.


(١) رواه مسلم (١/ ١١٦ رقم ١٢٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه بتمامه: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَها مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بهِ"، وفي لفظٍ: "ما لم يَتَكَلَّمُوا أو يَعْمَلُوا بهِ". وإنما ذكرته، لأن المؤلف سَيُورِدُهُ مجزأً للاحتجاج به، فلا نحتاج إلى تكرار التخريج أو الإحالة.
(٢) رواه الترمذي (٤/ ١٥٣ رقم ٢٣٢٥)، وابن ماجة (٢/ ١٤١٣ رقم ٤٢٢٨)، وأحمد (٢٩/ ٢٥٥ رقم ١٨٠٢٤، ١٨٠٣١) من حديث أبي كَبْشَةَ الأَنْمَارِي - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح، صححه الترمذي، والألباني في "صحيح الترمذي" (١٨٩٥)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (١/ ١٠٩ رقم ١٦).
(٣) في الأصل: "نفى"؟ والظاهر أن الصواب ما أثبتناه كما في "التعيين" (٢٠٨).

<<  <   >  >>