للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السادس: قوله - عليه الصلاة والسلام لوابِصَة -: "جِئتَ تَسْأَلُ عن البِرِّ"؟ هوَ مِن بابِ الكَشْفِ، كذلك جاء في بعض الروايات: "أنَّ وابِصَةَ جاءَ يَتَخَطَّى الناسَ، حتَّى جَلَسَ بينَ يَدَيْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا وابصة! تُحَدِّثُني مَا جِئتَ فيهِ أَوْ أُحَدِّثكَ فقال: بل أنتَ حَدِّثْني يا رسولَ الله؛ فهوَ أَحَبُّ إليَّ. قال: "جئتَ تَسْأَلُ عن البِرِّ والإِثمِ؟ قال: نعم" (١).

* تتمات:

قوله: "استَفْتِ قَلْبَكَ" هو راجع إلى مَا سَلَفَ مِن شعورِ النَّفسِ والقَلبِ بِمَا يحمد عاقبتها فيه أو يذم.

قوله: "البر ... " إلى آخره، هو كقوله أولًا: "البر: حُسْنُ الخُلُقِ"؛ لأَنَّ حسن الخلق تطمئن له النَّفسُ والقلبُ.

وقوله: "الإثمُ: مَا حَاكَ في النَّفسِ، وتَرَدَّدَ في الصَّدر" وهو شَبيهٌ بقوله: "الإثمُ: مَا كَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ" لأَنَّ مَا تَرَدَّدَ في النفس فهوَ إِثمٌ أو محلّ شُبْهَةٍ، ولابُدَّ مِن ذلك مما يكره اطلاع الناس عليه.

وقوله: "وإنْ أفتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ" أي: قد أعْطَيْتُكَ علامةَ الإثم فاعتَبِرْها في اجتنابه، ولا تُقَلَّد مَن أفتاكَ في مُقَارَبَتِهِ، وإنما وَحَّدَ الفعل الأول لإسناده إلى ظَاهِرٍ، وجمَعَ الثاني لإسناده إلى ضمير، والأصلُ فيه أَنَّ الفعلَ إِنَّمَا يكون له فاعل واحد، وإن كان ظاهرًا امتنع إيصال ضميره بالفعل نحوه: "أفتاك (٢)


(١) رواه البخاري في "التاريخ" (١/ ١٤٤)، وأحمد (٢٩/ ٥٢٣ رقم ١٧٩٩٩، ١٨٠٠١)، والطبراني في "الكبير" (٢٢/ ١٤٨ رقم ٤٠٢)، و"مسند الشاميين" (٣١٦٤ رقم ٢٠٠٠)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٦/ ٢٩٢). وهو حديث ضعيف، فيه أبو عبد الله السُّلمي، قال ابن المديني: "مجهول". انظر: "جامع العلوم والحِكَم" (٢/ ٩٤).
(٢) في الأصل: "أفتوك" والتصويب من "التعيين" (٢١٠) والسياق.

<<  <   >  >>