للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلف أن حبها خطيئة، والله لا يحب الخطايا ولا أهلها، ولأن الدنيا لعب ولهو وزينة، والله لا يُحِبُّ ذلك؛ ولأنَّ القلبَ بيت الرَّب، والله وحده لا شريكَ له، ولا يُحِبُّ أن يُشرك به في بيتهِ حب الدنيا ولا غيرها.

وبالجملة: فمُحِبُّ الدنيا مبغوضٌ عِندَ الله؛ فالزَّاهد فيها الرَّاغِبُ عنها محبوبٌ له، ومحبة الدنيا المكروهة هي إيثارها لقضاء شهوات النفس وأوطارها؛ لأن ذلك شغل عن الله، أما محبتها لفعل الخير وتقديم الأجر بها عند الله ونحو ذلك فهو عبادة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "نِعْمَ المَالُ الصَّالِحُ مع الرَّجل الصَّالِح، يَصِلُ بهِ رَحِمًا، وَيَصْنعُ بهِ مَعْرُوفًا" (١) أو كما قال.

وفي الأثر: "إذا كان يوم القِيامَة جمع الله الذَّهَب والفِضَّة كالجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْن، ثم يقولُ: هذا مَالنا عَادَ إلَيْنَا؛ سَعِدَ بهِ قَوْم وشَقِي به آخرون" (٢).

ووجه كون الزهد فيما عَند الناس سببًا لمحبَّةِ الناس؛ فلأنَّ الناس يتهافَتُونَ على الدُّنيا بطِبَاعهم "إذ الدُّنيا مِيتَةٌ، والناس كِلابها؛ فمن زاحمهم عليها أَبْغَضُوهُ، ومَنْ زَهدَ فيها وَوَفَّرَها عليهم أَحَبُّوهُ، وقد سلف طرفٌ من ذلك.

وللشَّافعي - رضي الله عنه - (٣):

ومَن يَذُقِ الدُّنيا فإني طَعِمْتُهَا ... وسِيقَ إِلَيْنَا عَذْبُها وعَذَابُها


(١) رواه أحمد (٢٩/ ٢٩٨ رقم ١٧٧٦٣، ١٧٧٦٤)، والبخاري في "الأدب المفرد" (١٠٧ رقم ٢٩٩)، وابن حبان (٨/ ٦ رقم ٣٢١٠)، وابن قانع في "معجم الصحابة" (٢/ ٢١٣ رقم ٧١٦)، والطبراني في "الأوسط" (٩/ ٢٢ رقم ٩٠١٢)، والحاكم (٢/ ٢، ٢٣٦)، والقضاعي (٢/ ٢٥٩ رقم ١٣١٥)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (٤/ ١٩٨٩ رقم ٤٩٩٥)، والبيهقي في "الشعب" (٢/ ٤٤٦ رقم ١١٩٠) من حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. والحديث صححه الحاكم والألباني.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) ينظر: "ديوان الشافعي" (٢١ - ٢٢).

<<  <   >  >>