للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما هي إلَّا جِيفةٌ مُسْتَحِيلةٌ ... عليها كِلابٌ هَمُّهُنَّ اجتِذَابُها

فإن تَجْتَنِبْها كُنْتَ سِلْمًا لأَهْلِهَا ... وإن تَجْتَذِبْهَا نَازَعَتْكَ كِلَابُها (١)

ولا تبعدُ محبة الجن أيضًا له، إذ لفظ الناس يشمله.

خامسها: "الزهد" -لغة-: الإعراض عن الشيء لاستقلاله واحتقارهِ وارتفاع الهِمَّة عنه، مأخوذٌ مِن قولهم: شيء زهيد؛ أي: قليل. وفي الحديث: "إنك لزهيد" (٢).

والمختار في حده أنه استصغار الدنيا واحتقارها: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء: ٧٧]، {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: ٢٤] الآية، ويكفيه منها زاد الراكب، والإقبال على المراقب، فشخصه في الأشباح، وروحه مع الآخرة في الأرواح.

وحكى الحارث المحاسبي -رحمه الله- فيما يزهد فيه ثلاثة أقوال: الحياة أو النقد أو متعلقات البدن، كالأكل واللبس، والظاهر أن دنيا كلِّ إنسانٍ على حَسب حاله، وقد قال حارِثةُ للشارع: "أَصْبَحْتُ مؤمنًا حقًّا! فقال له: إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حقيقةً؛ فما حقيقة إيمانك؟ قال: عَزَفَتْ نفسي عن الدنيا؛ فاستوى عندي حَجَرها ومَدَرها، وكأني أنظرُ إلى عَرْشِ رَبِّي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنةِ في


(١) من قوله: "قال بعضهم" إلى هنا من كلام الطوفي في "التعيين" (٢٣١ - ٢٣٢).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٧/ ١٣٣ رقم ٣٢٧٨٩)، والترمذي (٥/ ٣٢٩ رقم ٣٣٠٠)، والنسائي في "الكبرى" (٧/ ٤٦٤ رقم ٨٤٨٤)، والبزار (٢/ ٢٥٨ رقم ٦٦٨)، وابن حبان (١٥/ ٣٩٠ رقم ٦٩٤١، ٦٩٤٢)، وعبد بن حميد (١/ ١٤١ رقم ٩٠)، وأبو يعلى (١/ ٣٢٢ رقم ٤٠٠). ومن حديث على - رضي الله عنه -. قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب؛ إنما نعرفه من هذا الوجه". والحديث في إسناده على بن علقمة الأنماري، منكر الحديث، وقد ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" (٦٥٢).

<<  <   >  >>