للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن لُمتَ ذَا حَسَدٍ نَفَّسْتَ كُرْبَتَهُ .... وإِنْ سَكَتَّ فَقد عَذَّبتَهُ بيَده

الثانية: "النَّجَش" في اللغة: الختل؛ أي: الخداع، ومنه قيل للصائد: ناجش؛ لأنه يختل الصيد ويَحتالُ له؛ فمعنى "لا تناجشوا": لا ينجش بعضكم على بعض، وهو: أنْ يَزيدَ في الثمَنِ لا لِرَغْبَةٍ؛ بل لِيُغْر غَيْرهُ، وهو حرام لأنه غش وخديعة؛ فمن غشنا فليس مِنَّا، ولأنه تَرَكَ النَّصحَ الواجِبَ، وتركُ الواجِبِ حرام، وقد يكون بمواطأة وبدونها.

وقد اختُلِفَ في صِحةِ البيع المنجوش فيه؛ فقيل: يبطل بناءً على أن النَّهيَ يقتَضِي الفساد، وهو أحد الأقوال في الأصول، وثالثها في العبادات دون المعاملات، رابعها: إن رجع إلى معنى في المَنْهي عنه فتعم وإلَّا فلا، والتحقيق: إن رجع لذات المنهي عنه أو لوصف لازم له اقتضى الفساد، أو لأمر خارج أو لوصف غير لازم فلا، ومذهب الشافعي -رحمه الله- أن البيعَ صَحِيح؛ لأنَّ النَّهيَ فيه ليس راجعًا إلى العقد ولا ما يلزمه من ركن أو شرط، والأصح عند أصحابه لا خيار له لتقصيره (١).

الثالثة: معنى "لا تَبَاغَضُوا": لا تتعاطوا أسباب البغضاء؛ لأنَّ الحُبَّ والبغض معانٍ قلبِيَّةٌ لا قدرَةَ للإنسان على اكتسابها، ولا يملك التصرف فيها، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "اللَّهمَّ هذا قَسْمِي فِيمَا أملِكُ؛ فَلَا تَلمني فِيمَا تَملِكُ وَلا أَملِكُ" (٢) يعني: القلب؛ أي: في حبِّهِ وبُغْضِهِ، والبغض للشيء: هو


(١) انظر: "الأشباه والنظائر" للمؤلف (١/ ٥٢٣).
(٢) رواه أحمد (٤٢/ ٤٦ رقم ٢٥١١١)، وأبو داود (٢/ ٤١٥ رقم ٢١٣٤)، والترمذي (٢/ ٤٣٣ رقم ١١٤٠)، والنسائي في "الكبرى" (٨/ ١٥٠ رقم ٨٨٤٠)، وابن ماجه (١/ ٦٣٤ رقم ١٩٧١)، وابن أبي شيبة في "المصنَّف" (٩/ ٤٤٦ رقم ١٧٨٣١)، والدَّارمي (٣/ ١٤١٦ رقم ٢٢٥٣)، وابن حبان (١٠/ ٥ رقم ٤٢٠٥)، والحاكم (٢/ ١٨٧) عن عائشة - رضي الله عنها -. وقد صححهُ المؤلف في "البدر المنير" (٧/ ٤٨١).

<<  <   >  >>