للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولها: معنى "نفَّس": فرج وأزال، وهو من تنفس الخناق، كأنه رخَّى الخِنَاق حتى تأخذ لها نَفَسًا.

و"الكُربة": ما أهمَّ النَّفس وغَمَّ القلب، كأنها مُشْتقَّة مِن كرب الشيء للمقاربة، لأن الكرب يقارب أن يُزهِقَ النَّفسَ، ففيه فضيلةُ تنفيس الكُرَبِ عن المؤمنين، وفضل قضاء حوائجهم ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو مُشَاورة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك، وفضل السِّتْر على المسلم وهو من باب إعانته وتفريج الكرب عليه وستر زلَّاته، ويدخل في كشف الكربة وتفريجها: من أزالها بمال، أو جاه، أو مساعدة أو إشارة أو رأي أو دلالة -كما ذكرناه- وأن ذلك يجازى عليه بجنسه في تيسير كرب الآخرة.

والعادة أنَّ الجزاء مِن جِنس العمل ثوابًا وعقابًا، كالتَّنْفيس بالتَّنْفيس، واليُسر باليُسْر، والعون بالعون، كما ذكر في هذا الحديث، ونظائره كثيرة في أحكام الدنيا والآخرة، وكان مقتضى ذلك قطع ذكر الزاني وفرج الزانية؛ لتكون العقوبة في محل الجناية كما في السرقة، لكن لما كانا آلة التناسل الحافظة، فَرُوعِيَ بقاؤهما.

وإنما كان التنفيس مطلوبًا شرعًا مثابًا عليه، لأن الخلق عيال الله فتنفيس كربهم إحسانٌ إليهم، والعادة أن السيِّدَ والمَلِكَ يُحِبُّ الإحسان إلى عياله وحاشيته والمُحسِن إليهم، وفي الأثر: "الخَلْقُ عِيَالُ الله، فأحبهم إلى الله أَرفَقُهم بعياله" (١).

ثانيها: فيه فضيلة التَّيْسِير على المعسِر والجزاء عليه في الآخرة، كما مَرَّ في تنفيس الكربة.


(١) مضى تخريجه ص (٣١٥).

<<  <   >  >>