للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللسَّلف اختلافٌ في أيِّ الذِّكْرَيْن أفضل: ذِكرُ القلب أو ذِكْرُ العَلَانِية؟

وقال صاحب "الإفصاح": "معنى"كتب": مبالغ تضعيفها، فعرفت الكَتبُةُ مِن ذلك التَّقدير؛ فلا يحتاجون إلى أن يستفسروا في كُلِّ وقتٍ كيف يَكْتُبون ذلك، ومن رحمتهِ بهذه الأُمَّةِ لمَّا قصَّر أعمارها ضاعف أعمالها؛ فمن همَّ بحسنة كُتِبَ ذلك الهمُّ بحسنة؛ فإن عَمِلَها فقد ظهرت إلى ديوان العمل فضاعفها عشرًا.

ثم قوله: "إلى سبعمائة ضعف" إِنَّمَا يعني: على مِقْدَار ما يكون فيها من خُلُوصِ النِّيةِ، وإيقاعها في مواضعها التي يريد صاحبها حسنًا، قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦١] أي: بعد السبعمائة ضعف؛ بدليل قوله تعالى: {أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: ٢٤٥].

والمعنى في ذِكر السبعمائة أن العربَ تَنْتَهِي في التكَثير مِن عددِ الآحاد إلى سبعةٍ، وكذلك إذا أتوْا بالثمانية عَطَفُوا عليها بالواو، ويعنون أنه قد انتهى عدد القلَّةِ وخَرَجَ إلى عددِ الكثرة في قوله تعالى: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ١١٢]، وقال تعالى: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: ٢٢]، وقال تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧٣]، فإذا ضربت السبعة في عشرة كانت سبعين، ثم السبعون في عشرة: سبعمائة.

ثم قال بعد ذلك: {أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: ٢٤٥]، و {كَثِيرَةً} هنا نكرة، وهي أشمل من المعرفة، فمقتضاه أن يحسب توجيه الكثيرة على أكثر ما يمكن؛ فإذا تصدق العبد بحبة بُرٍّ، فإنه يحسب أن الحسنة لو بذرها في أزكى أرض، وتعاهدها إلى أن استَحصَدها، ثم سنة، ثم أخرى إلى يوم القيامة،

<<  <   >  >>