للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيجتمع من الحَبَّةِ أمثال الجبال، وإن كانت مثقال ذرة من جنس الأثمان، فإنه ينظر إلى أربح شيء يُشْتَرى في ذلك الوقت، ويقدر أنه لو بيع في أَنْفَقِ سوق في أعظم بلَدٍ يكون ذلك الشيء أشد الأشياء نفاقًا، ثم يُضاعف إلى يوم الجزاء، فتأتي الذَّرَّة بما يكون مقدارها على قدر عظم الدنيا كلها.

وعلى هذا جميع أعمال البِر في معاملة الله إذا خرجت سهامها عن نية وأغرقت في نزع (١) قوس الإخلاص كانت تلك السهام ممتدة لا تنتهي عن يوم القيامة.

ومن ذلك أن فضلَ الله تعالى يتضاعف بالتَّحويل، كما إذا تصَدَّق على فقير بدرهم فآثر غيره به من هو أشد فقرًا؛ فيؤجر آخر، ثم آخر، ثم هكذا فيما تطاول؛ فإنه يحسب للمتصدِّق عن كُلِّ دِرهم عشرة؛ فإذا تحوَّل إلى الثاني انتقل ذلك إلى الثاني، فصار له عشرة وللأول عشرته التي انتقلت عشرة إلَّا أنها عشرة معشَّرة؛ لأن له أجر من عمل به، فكل واحد بعشرة، فصارت مائة؛ فإذا تصدق بها الثاني صارت للثاني مائة وللأول ألف؛ فإذا تصدق بها الثالث صارت له مائة وللثاني ألف وللأول عشرة آلاف، فتضاعف إلى ما لا يعلم مقداره إلَّا الله؛ وذلك لأن المتصدّق الأول بالدرهم أجره وأجر من عمل به سواء، فكلما تحول من شخص إلى شخص ضوعف ذلك للمتصدق الأول من حيث إنَّ له مثل أجره وأجر من عمل به المنتقل إليه.

ومن ذلك أيضًا أنه إذا حاسب الربُّ عبدَه يوم القيامة، فكانت حسناته متفاوتات؛ فيهن الرفيعة المقدار التي وعد الشارع ألف ألف حسنة أو ألفي ألف حسنة، فإنه تعالى بفضله وجوده يحسب سائر الحسنات بسعر تلك الحسنة العليا؛ لأن كرمه وجوده أعظم من أن يناقش من رضي عنه في ذلك، وقد قال:


(١) في الأصل: "تنزع" والتصويب من "الإفصاح".

<<  <   >  >>