كذا هذا مثله على أن ما ذكرتم لا يصلح أن يكون حدًا، لأن الحد ما يكون معلومًا، ويكون جامعًا مانعًا.
وقولكم: بأن حده أن يكون عشرًا في عشر، فقد وجد منكم اضطراب متفاحش على ما حكيناه، ولئن قلتم: حده ما إذا حرك أحد جوانبه تحرك الجانب الآخر.
هذا لا يكون جامعًا مانعًا، لأنه قد يختلف باختلاف حال المحرك، فإن المحرك لو كان قليلا، ربما يتحرك به الجانب الآخر، ولو كان عصفورا لا يتحرك به الجانب الآخر.
ولئن قلتم: بأن ما يلي النجاسة من الماء يكون نجسًا، وما سواه طاهرًا، وهذا يؤدي إلى أن نحكم بأن البحر العظيم إذا وقعت فيه نجاسة أن يكون جميع مائة نجسًا بأن يصب نجاسة في كوز ماء، ثم يصيب الكوز في الحوض، فيصير الكل نجسًا، ثم يصب الحوض في الغدير، فيصير نجسًا، ثم يصب الغدير في الوادي، فيصير نجسًا، ثم يصب الوادي في البحر العظيم حتى لو وصل ماؤه إلى جميع البحر، فيصير الكل نجسًا فهذا فاسد جدًا.
واحتج الشافعي: رحمه الله أيضا بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له: إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر تطرح فيها المحائض، ولحوم الكلام، وما ينجي الناس.
فقال عليه السلام: خلق الماء طهورًا لا ينجسه شيء، إلا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته.
واختلفوا في إلقاء هذه النجاسات في بئر بضاعة.
منهم من قال: كان أهل الجاهلية يلقونها فيها.
وقيل: كان في الإسلام يفعلون ذلك مغايظة النبي صلى الله عليه وسلم.