قال القاضي حسين: يحتمل أن المراد بالنص الأول أنه إذا كان عاميًا لا يعرف دلائل القبلة، فيجوز له أن يقلد في ذلك عالما، كالاعمى سواء.
والنص الثاني: يدل على أنه لا يجوز له تقليده، بل عليه أن يتعلم دلائل القبلة، وقد ذكرنا وجهين في أن تعلم دلائل القبلة، هل هو فرض على العين أو فرض على الكفاية؟
والوجها مستنبطان من هذين النصين، ويحتمل أن المراد بالنص الأول أنه إذا كان عارفًا بدلائل القبلة، ولكن كان اليوم يوم الغيم، وخفيت عليه الدلائل، فإنه يجوز له ها هنا التقليد كالأعمى سواء.
والنص الثاني يدل على انه لا يجوز له التقليد في هذه الحالة أيضًا، وقد ذكرنا أيضا في مسائل التقليد، أن العالم إذا نزلت به نازلة في حق نفسه، وضاق به الوقت، هل يجوز له أن يقلد فيه عالمًا أم لا؟
فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز له ذلك، لأنه من أهل الاجتهاد.
والثاني: يجوز له ذلك، وروى عن ابن سريج أنه كان يقلد الملاحين في السفينة في البحر في أوقات الصلوات، وكان يقول إذا نزلت بي نازلة، وضاق بي الوقت، وخفت فوت الفريضة على نفسي، فلي أن أقلد فيه من هو في مثل حالي، فأما الأعمي ففرضه التقليد، ولا يجوز له أن يصلي على التبخيث، ولا بالاجتهاد، اللهم إلا أن يدخل مسجدًا في البلدة، ووجد المحراب على جانب من الجوانب الأربعة بالمس باليد، فإنه يصلي إليها، وقد ذكرنا ذلك، وهكذا له أن يتحرى في الإناءين بمثل ذلك بأن اشتم من أحدهما رائحة كريهة، أو وجد الماء يتقلقل في أحد الإنائين دون الثاني، فإنه يستعمل أحدهما بالاجتهاد، وهو والبصير فيه سواء.