وأما إذا كان في الصحراء، فلا يمكنه الاجتهاد في القبلة ألبتة، بل فرضه التقليد فحسب، ولو كان له أوراد معلومة، أو عمل واصب يمكنه أن يعرف بها أوقات الصلاة، ولا يمكنه أن يعرف بها جهة القبلة ألبتة، لأن ذلك لا يدل عليها، فلو أنه أخبره بصير بجهة القبلة، فإنه يصلي إلى تلك الجهة، ثم ينظر، فإن أخبره عن حقيقة الحال بأن قال له: صل إلى هذه الجهة؛ لأن الشمس تغرب في هذه الجهة، أو تطلع الشمس من تلك الجهة، أو كان القطب خلف أذنك اليمني، فإنه إذا دخل عليه وقت صلاة أخرى، وكان جالسًا على ذلك المكان، ولا يتحول عنه، فإنه يصلي إلى تلك الجهة ثانيًا وثالثًا، ولا يسأل أحدًا عن شيء.
فأما إذا أخبره بالاجتهاد، لا بحقيقة الحال، فإنه إذا دخل عليه وقت صلاة أخرى، فإنه يسأل بصيرًا آخر عن جهة القبلة، سواء تحول عن ذلك المكان أو لم يتحول عنه، لأنه لو وجد من يسأل عنه في الكرة الأولى لزمه أنه يسأل عنه ثانيًا، كما أن البصير لو أراد أن يصلي بنفسه ثانيًا يلزمه، الاجتهاد ثانيًا، فحكم الأعمي فيه حكم البصير.
قال المزني: ولا يتبع دلالة مشرك بحال.
قال القاضي حسين: إذا قلنا: بأنه يقلد غيره، فينبغي أن يقلد رجلا مسلمًا عدلا عارفًا بدلائل القبلة، حتى لو كان كافرًا، فلا يجوز له أن يقلده في ذلك، وهكذا لا يجوز أن يعتمد على قول المشرك فيما يرجع إلى أمر الدين لا في المداواة وما أشبهها.
فأما الفاسق فهل يعتمد فيه على قوله أم لا؟
فيه وجهان، فأما العبد والمرأة له أن يعتمد فيه على قولهما.
وأما المراهق قال القفال، سألت أبا زيد عن ذلك، فقال: نص الشافعي على انه لا يجوز له أن يقلد المراهق في أمر القبلة، ثم سألت أبا عبد الله الخضري،