وقول أسامة بن زيد رضي الله عنه بعد ذكر الآية: وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم.
فكيف كان تأويل رسول الله عليه الصلاة والسلام؟
لقد كان تأويله فيهم هو التطبيق العمليّ للآية التي أمرته بالعفو والصفح، والتنفيذ الفعليّ لمضمونها، حيث كان يعفو ويصفح فعلا، حتى أنزل الله آيات بعد ذلك تأذن له بقتالهم.
إن تأويله الفعليّ للآية ليس مجرد فهمها وتفسيرها نظريا، ولكنه تحقيقها في عالم الواقع، وبيان مآلها العملي والواقعي.
٢ - روي الامام البخاري في تفسير سورة النصر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:
سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك. اللهمّ اغفر لي، يتأوّل القرآن.
وفي رواية أخرى عنها قالت: «ما صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة، بعد أن نزلت عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» (١).
إنّ ما ترويه عائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان تأويلا منه للقرآن.
وتأويله للقرآن كان تأويلا عمليا، وتنفيذا وتطبيقا للأمر الذي أمره الله به.
أنزل الله عليه سورة النصر، وأمره فيها بتسبيح الله وحمده واستغفاره:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ، ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ، إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً.
فكيف نفذ الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الأوامر الربانية: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ؟
لقد جعلها في صلاته، ونفذها عمليا،
فكان كثيرا ما يقول في ركوعه
(١) صحيح البخاري: ٦٥ كتاب التفسير: ١١٠ سورة النصر: حديثان: ٤٩٦٧، ٤٩٦٨.