قلنا إنهما مرحلتان في فهم القرآن: تفسيره أوّلا، ثم تأويله بعد ذلك، وأنه لا يجوز التأويل قبل التمكن من التفسير، وأن كلّ مؤول مفسر، وليس كل مفسر مؤولا.
والدليل على هذه المرحلية، هو تفاوت الصحابة في فهم معاني القرآن، فمنهم من كان يكتفي بالوقوف مع ظاهر الآيات، ويقدم معناها القريب المتبادر، ومنهم من كان يعمق التدبر فيها، ويدرك إشاراتها وإيحاءاتها، ويقدم المعنى البعيد اللطيف الرشيق غير المتبادر.
في مقدمة هؤلاء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، الذي
دعا له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلا:«اللهمّ فقّهه في الدين، وعلمه التأويل».
وكان ابن عباس رضي الله عنهما من أعلم الصحابة بتفسير القرآن وتأويله، ولهذا حاز لقب «ترجمان القرآن».
ما كل اصحابة كانوا مؤوّلين للقرآن، وإن كانوا مفسّرين له، أما ابن عباس فقد كان مفسّرا مؤوّلا، رضي الله عنه.
روي الإمام البخاري في كتاب التفسير من صحيحه عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟
فقال عمر: إنه من علمتم.
فدعاه ذات يوم، فأدخله معهم.
فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم.
قال: ما تقولون في قول الله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ؟
فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا.