فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته علي البيداء.
فنظرت إلي مد بصري، من بين يديه، من راكب وماش، وعنه يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك.
ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعلم تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به ....» (١).
إن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحمل تأويل القرآن علي معناه العملي، وتطبيق أوامر وأحكام القرآن بصورة فعلية مادية.
فالله أمر المسلمين بالحج، وتحدثت آيات القرآن عن مناسك الحج وأركانه، لكن كيف يحجّ المسلمون عمليا؟ وكيف ينفذون أوامر الله بالحج فعلا؟ وبعبارة أخري: كيف يؤول المسلمون آيات الحج تأويلا واقعيا؟
يؤدّون به مناسك الحج فعلا! يخبرنا جابر رضي الله عنه أنهم اقتدوا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو يؤدّي مناسك الحج، فهو موجود بين أظهرهم، وهو حيّ معهم، وتنزل عليه آيات القرآن التي تبيّن أركان ومناسك الحج، وهو يعلم تأويل هذه الآيات، وهم يقتدون به في تأويله العملي للآيات.
إنّ تأويل الرسول صلّى الله عليه وسلّم لآيات القرآن الآمرة بالحج هو أداؤه لمناسك الحج فعلا، وتحقيق الصورة المادية الواقعية لها، وهذا هو معنى التأويل الوارد في القرآن.
تأويل الأمر أداؤه وتنفيذه، ولهذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع هو أول مؤوّل لآيات الحج في القرآن.
(١) سنن أبي داود: ١١ كتاب مناسك الحج: ٥٦ باب صفة حجة النبي. حديث رقم: ١٩٠٥.