وأمّا ما كان خبرا، كالإخبار عن الله واليوم الآخر، فهذا قد لا يعلم تأويله، الذي هو حقيقته.
وهذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.
لكن لا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي العلم بالمعني، الذي قصد المخاطب إفهام المخاطب إياه. فما في القرآن آية إلا وقد أمر الله بتدبرها، وما أنزل آية إلا وهو يحبّ أن يعلم ما عنى بها، وإن كان تأويلها لا يعلمه إلا الله.
هذا هو معنى التأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف.
والتأويل في كلام كثير من المفسرين كابن جرير ونحوه، يريدون به تفسير الكلام، وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالفه.
وهذا اصطلاح معروف. وهذا التأويل كالتفسير، يحمد حقّه، ويردّ باطله.
والتأويل في كلام المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلي الاحتمال المرجوح، لدلالة توجب ذلك.
وهذا هو التأويل الذي يتنازع الناس فيه في كثير من الأمور الطلبية والخبرية.
فالتأويل الصحيح منه: الذي يوافق ما دلّت عليه نصوص الكتاب والسنة، وما خالف ذلك فهو التأويل الفاسد» (١).
التأويل بمعناه الثالث- وهو الصرف والتحويل نوعان: منه تأويل صحيح مقبول، وهو ما يتمّ فيه صرف اللفظ عن معناه الظاهر غير المراد، إلي معنى آخر مراد، بشرط أن يحتمل اللفظ ذلك المعنى الآخر، وبشرط قيام ضرورة تدعو إلي التحول للمعنى الثاني، وبشرط توفر دليل من نصوص
(١) مقتطفات من شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي: ١/ ٢٥٢ - ٢٥٦.