والثالث من أوجهها: أن تكون حرف تحقيق، تقتضي تحقّق مدخولها، فتدخل على الماضي من غير اختلاف فيه، لكن هل هي للتحقيق المحض؟ وهو مذهب المنصور، أو للتحقيق مع التوقّع كما مذهب الخليل حيث قال في "الصحاح": زعم الخليل أن هذا لِمَن ينتظر الخبر، يقول: مات فلان، ولو أخبره وهو لا ينتظره لم يقل: قد مات، ولكن يقول: مات انتهى.
والعنوان بالزّعم يدل على ردّ مذهبه، لأنها تجيء للتحقيق المحض في الماضي كما عُلِمَ من موارد الاستعال نحو:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}. فقد هنا تدخل على الماضي لتحقّق الفلاح.
وعلى المضارع عند البعض. قال ابن مالك في "التسهيل": وقد التي للتحقيق تدخل عليها نحو: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}. فقال بعض النُّحاة: إنّ قد التحقيقية إذا دخلت على المضارع ولم يمكن التوقع فيه كان المضارع بمعنى الماضي.
والرابع من أوجهها: أن تكون حرف توقّع أي: انتظار، يقال: توقعت واستوقعت، أو انتظرت فتدخل عليهما، أي على الماضي والمضارع أيضًا. أي كما تدخل عليهما إذا كانت للتحقيق. قول: قد يخرج زيد، فتدلّ (قد) على أن الخروج منتظر متوقّع.
والمصنّف لم يذكر هنا مثالًا للماضي لكون الاختلاف في دخول حرف التوقّع عليه، فذكر بعد إثباته بالدليل، وظاهر هذا الكلام يشعر أن يكون التوقّع مقابلًا للتحقيق في الحقيقة، وليس كذلك.
تدل عليه عبارة "الكافية": حرف التوقّع (قد)، وشرحها الشَّيخ الرضي: فإنَّه عام إلى التحقيق والتقريب إلى الحال مع التوقع. قد تكون للتحقيق مع التقريب بدون التّوقع، وقد تكون للتحقيق المحض، فإذن لها ثلاثة معان. انتهى.