تقليل بالرَّفع: بدل عن (الضربان) مضاف إلى وقوع الفعل الذي هو مدخولها نحو: قد يَصْدُق الكذوب، وقد يجود البخيل. فقد في المثالين يدلّ على قلّة وقوع الصّدق. من الكذوب، وقلّة وقوع الجود من البخيل.
وتقليل متعلِّقة أي: تقليل متعلّق الفعل من غير نظر إلى قلَّة وقوع الفعل أو كثرته، نحو:{قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}. فإنّ (قد) ها تحقيقية باعتبار وقوع الفعل، وتقليلية باعتبار متعلّقة. أي: ما أنتم عليه هو أقلّ معلوماته، وفي هذا التفسير إشارة إلى أن (ما) موصولة مبتدأ، صلته: أنتم عليه، وخبره محذوف، وهو أقل معلوماته، قال الشَّيخ الرضي: إنّ المادح قد يستعمل الكثير. من المدائح، لأنَّ الكثير منها كأنّه قليل بالنسبة إلى الممدوح، وذلك أبلغ في المدح، ومن هذا القبيل قوله تعالى:{قَد يَعْلَمُ} لأنَّ (قد) لتقليل المضارع في الأصل.
وزعم بعضهم، وَجَّهَ العنوانَ بالزَّعم إنكاره على كونها للتقليل، والأليق ذكره المصنّف هذا فيما قبلُ مثالًا للتحقيق: إنَّها في ذلك أي [قد] في {قد يعلم} للتحقيق كما تقدَّم في القسم الثالث، لا للتقليل، وإنّ التقليل في المثالين الأوّلين، وإن كان متحقّقًا لكنه لم يستفد من قد، بل من قولك: البخيلُ يجودُ، والكذوبُ يصدقُ مع قطع النَّظر عنها.
فإنَّه: الفاء بمعنى لام التعليل، أي لأنَّ الكلام إن لم يُحمل على أن صدور ذلك أي الجود والصدق من البخيل والكذوب قليلٌ بالرَّفع خبر إن. كان ذلك في جزاء الشرط أي كان الكلام كذبًا متناقضًا لأنَّ آخر الكلام، وهو البخيل والكذوب يدفع أوَّلَه وهو يصدق ويجود، لأنَّ البخيل والكذوب صيغة المبالغة، فيدلّ على كثرة البخل والكذب، فلو لم يَحْمل يَصدق ويَكْذب على القلّة للزم التَّدافع، ولك أن تمنع هذا الكلام بعد تسليم لزوم التَّدافع في المثالين على إنكار كونها للتقليل غير مقبول، لأنَّه كثير الاستعمال.