للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستقر لأنّه يسدّ مسدّ العامل وإن كان صفة للفضلة، وهذا لا يمنع عن كونه جزءًا من الكلام في أصله، ولأنه ملغاه عن جهة العمل حيث لا يعمل ظاهرًا إلّا في المضمر، ولا في المظهر، قال شارح "اللباب": وهو تسمية خالية عن المناسبة.

وأمّا أنا فلا أحبّ التسمية باللَّغو لوقوعه في التَّنزيل والحديث، ففيه إذن إخلال بالآداب فسمينا ظرفًا خاصًّا لخصوص العامل فيه، والمستقر ظرفًا عامًا لأن الملحوظ عموم العامل قال بعض الفضلاء من المتأخرين: إنّ القوم قالوا للمستقر حَظٌّ من الإعراب دون اللَّغو.

ولم أجد في كلامهم ما يحققّه ويبيّن غرضهم منه حتَّى لا يردّ عليهم الاشتراك في الإعراب المحلّي، حيث قالوا: بزيد، في مررت بزيد: في محل النصب، وأجازوا في معطوفه النصب وهو لغو.

فأقول متوكّلًا على الله تعالى ومعتمدًا: إنّ مرادهم بذلك أن لا محل له آخر من الإعراب غير هذا المحل، لا أن لا محل له من الإعراب أصلًا، وللمستقرّ ذلك، ألا ترى أنّك إذا قلت: زيد في الدّار، له محل من الإعراب من جهة تعلّقه بالخبر الحقيقي، ومحل آخر غيره من حيث أنَّه هو الخبر بعد الحذف، وذلك بدليل انتقال الضمير عنه إليه، فيكون له محلان من الإعراب على ما لا يخفى على ذوي الألباب، بخلاف ما إذا قلت: زيد حاصل في الدّار، فإن له محلًا واحدًا.

أقول: يُفْهم منه أنّ الجار والمجرور معًا له محل من الإعراب في اللُّغة، فعلى هذا يشكل الفرق بين المستقرّ واللَّغو، لأن المستقر واللغو لا يكون له محل من الإعراب إذا كان صلة كما مرّ في المسألة التي لا محل لها من الإعراب، فالجدير بالقبول ما قاله بعض الفحول من أنّك إذا قلت: مررت بزيد فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بمررت لا محل له من الإعراب. والمنصوب على المفعولية هو المجرور فقط، وإن جعل القوم المجموع تساهلًا لأنّ الجار كالجزء من الفعل إذ اللَّازم يجري مجرى المتعدي، ألا ترى أنّ معنى: مررت بزيد، أمررت زيدًا، وجزء الفعل لا يكون معمولًا، ولأنّه لو كان الجار والمجرور في محلّ النّصب لامتنع تعلّقه بمررت، لأنّه لو تعلّق لكان ظرفًا لغوًا، فلم يكن له محل من الإعراب. ولأن القوم أجازوا في معطوفه النصب، فلو كان مجموع الجار والمجرور منصوب المحلّ للزم أن يتعدّى الفعل إلى المعطوف بنفسه.