للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل يقوم بجلائل الأعمال التي تَتَعَصَّى على أولي القوة من الرجال، ومع ذلك لا يتبرم ولا يقلق، ولا يشكو كثرة الأعباء، والتبعات، له قلب لا يتعب فيبلغ منزلة إلا ابتدأ التعب؛ ليبلغ منزلة أعلى منها، وله فكر كلما جهد فأدرك حقيقة كانت الحقيقة أن يجهد فيدرك غيرها. (١)

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدر الكريم المكارم

وتكبر في عين الصغير صغارُها ... وتصغر في عين العظيم العظائم

(٢)

ولقد جرت سنة الله ألا ينهض بأصر المقاصد الجليلة، ويرمي إلى الغايات البعيدة -غيرُ النفوس التي عظم حجمها، وكبرت هممها، فلم تتعلق بسفاسف الآمال، ولا محقرات الأعمال.

وإذا علمت نفسٌ طاب عنصرها، وشرف وجدانها أن مطمح الهمم إنما هي غاية وحياة وراء حياتها الطبيعية -لم تقف بسعيها عند حد غذاء يقوتها، وكساء يسترها، ومسكن تأوي إليه.

بل لا تستفيق جهدها، ولا يطمئن بها قرارُها إلا إذا بلغت مجدًا يصعد بها إلى أن تختلط بكواكب الجوزاء.

وإلى هذا المعنى الجميل يشير قول نابغة بني جعدة:

بلغنا السماء مجدًا وجودًا وسؤددًا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

(٣)


(١) وحي القلم ٢ / ٨٣.
(٢) ديوان المتنبي ٣ / ٣٧٨ -٣٧٩.
(٣) جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي ص٣٦٤.

<<  <   >  >>