للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد هذا قد تقول -أيها المعلم الكريم -: أنَّى لي أن أكون قدوةً وأنا مقصر في نفسي؟ وكيف وأنا أعاني من بعض النقائص ونفسي تميل بطبعها إلى بعض الأخلاق المرذولة؟

وكيف أنصح للطلاب وأنا لم أُكمِّلْ نفسي بعد؟ ألا أخشى أن أدخل في وعيد الله بقوله -عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: ٢ -٣) .

أليس الحكيم العربي يقول:

يا أيها الرجلُ المعلم غيرَه ... هلا لنفسك كان ذا التعليمُ

تصف الدواء وأنت أولى بالدوا ... وتعالج المرضى وأنت سقيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى ... بالقول منك ويُقبل التعليم

(١)

والجواب عن ذلك أن يقال لك: ليس من شرط القدوةِ العصمةُ؛ فالعصمة إنما هي للأنبياء -عليهم السلام - فيما يبلغون به عن ربهم.

ولا يضيرك تقصيرك ما دمت مخلصًا في نصحك، حريصًا على تكميل نفسك وغيرك؛ فالسعي في التكميل كمال، ومن الذي يخلو من النقائص؟ فأي الرجال المهذب؟

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه

(٢)


(١) هذه الأبيات مختلف في نسبتها؛ فهي تنسب لأبي الأسود الدؤلي، وتنسب للمتوكل الليثي، وتنسب إلى سابق البربري، وتنسب إلى أبي بكر العزرمي. انظر جمهرة الأمثال للعسكري ٢ / ٣٨، وخزانة الأدب ٣ / ٦١٨، وحلية المحاضرة ١ / ٣٠٥، والأغاني ١٢ / ١٨٨ وبهجة المجالس ١ / ٤١٣، والحماسة البصرية ٢ / ١٥، وقول على قول ص١٥٤.
(٢) ديوان بشار بن برد ص٤٥.

<<  <   >  >>