استغرابهم ببعث الرسول محصور فيه هذا المنع من الهدى، وقوله في سورة الكهف: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (٥٥)} [الكهف: ٥٥] وفي القراءة الأخرى: {قُبُلًا}(١).
والجواب عن هذا عند العلماء: هو اختلاف جهة الحصرين، أما الحصر في سورة بني إسرائيل فهو حصر عادي في سببه العادي، والأسباب العادية قد تتخلّف بمشيئة الله -جل وعلا-؛ لأنه جرت العادة أن البشر إذا جاءهم رسول منهم استغربوا وقالوا: كيف يُرسل إلينا رجل يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق؟ وهذا كثير في القرآن كقولهم عنه:{مَا هَذَا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيكُمْ}[المؤمنون: ٢٤] وقالوا في البشر: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣)} [المؤمنون: ٣٣]{أبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا}[التغابن: ٦] {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤)} [القمر: ٢٤]{مَا أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا}[يس: ١٥] فكون الناس يستغربون بعث البشر هذا استغراب عادي ضل بسببه أكثرهم، مِع أن الله بيّن لهم أن رسالة البشر هي معروفة، قال:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}[الفرقان: ٢٠]{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إلا رِجَالًا}[الأنبياء: ٧] أي: لا ملائكة، وقال في الرسل:{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ}[الأنبياء: ٨] فهذا المانع وهو قولهم: {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا}[الإسراء: ٩٤]