للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستغرابهم ببعث بشر مانع عادي، والأمور العادية قد تتخلف؛ ولذا أسلم كثير من الناس ولم يمنعهم كون المبعوث بشرًا.

أما المانع في قوله في سورة الكهف: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} [الكهف: ٥٥] فهو مانع حقيقي عقلي؛ لأن المعنى على أصح القولين: وما منعهم أن يؤمنوا إلا أن الله أراد بهم في سابق علمه وأزله أن يبقوا على كفرهم حتى يأتيهم أحد أمرين: أن يأتيهم الهلاك في الدنيا، أو يأتيهم العذاب قبلًا في الآخرة، وهذا الذي سبق في علم الله وإرادته لا يمكن أن يتغير.

فهذا مانع حقيقي لا يتخلف، وذلك مانع عادي قد يتخلف، فانفكت جهة المانعين بكون هذا عاديًّا وهذا عقليًّا، فزال الخلاف لانفكاك جهة المانعية.

[السؤال الرابع عشر: ] ما معنى قوله تعالى في سورة النمل: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [النمل: ٦٦].

الجواب: في هذه الآية أوجه معلومة للعلماء، من أظهرها: أن الكفار في دار الدنيا تختلف علومهم في الآخرة فمن مكذب ومن مصدق ومن شاك، ويوم القيامة يرون الحق عيانًا {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)} [ق: ٢٢] {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مريم: ٣٨] فيتدارك علمهم ويتلاحق ويرون الحق يقينًا بحيث لا يبقى فيه لبس ولا شك، وعند ذلك يقول الواحد منهم: هل من سبيل؟ هل من مرد؟ يا ليتنا نُردّ ولا نكذب بآيات ربنا، والله يقول: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٨].

<<  <   >  >>