من ملزومه مطلقًا ولا من وجه، ولا يكون مباينًا له كما هو معلوم، فالإنسان مثلًا ملزوم بالحيوانية والناطقية، وهما لازمان له، وأحد هذين اللازمين مساو له في الماصَدَق وهو الناطق، والثاني أعم منه وهو الحيوان، ومعلوم أن الوحي الصحيح ناقل عن حكم العقل كما هو معروف، فالنسبة بين الأمرين على الحق الذي اقتضاه الوحي المنزل هي النسبة بين الملزوم واللازم.
فانظر كيف استطاع أولئك الأعداء أن يصوروا عند هؤلاء من المتسمين باسم الإسلام نسبة الملزوم للازمه بصورة مضادة أخرى هي نسبة الضد للضد، فقطعوا بذلك صلتهم بربهم ودينهم.
ثم إنا نريد هنا أن نسلط بعض الأضواء على حقيقة الموقف الطبيعي للإسلام والمسلمين من الحضارة الغربية بفلسفة منطقية تترك ليل المسألة نهارًا، وذلك بكشف نقابها واستبانة ما وراء بابها بدليل اصطلاحي متقدم مشهور يسميه علماء الجدل (التقسيم والترديد)، ويسميه علماء المنطق (الشَّرْطِي المنفصل)، ويسميه علماء الأصول (السبر والتقسيم)، ولما كان هذا الدليل العظيم هو السبيل الوحيد إلى إيضاح هذه المسألة إيضاحًا لا يختلف بعده اثنان أردنا أن نشير إليه إشارة، خاطفة ثم نذكر أمثلة له في القرآن العظيم، وآثارًا من آثاره التاريخية، ثم نطبقه على مسألتنا تطبيقًا واضحًا يكشف ظلامها وينير دُجاها.