للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير نظر إلى دليل ولا إلى قول قائل؟ وهل يستوي في هذا العوام وغيرهم، أم لا؟

الجواب: أن التزام مذهب معين لم يرد به نص من كتاب الله ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا إجماع، ومتأخروا الأصوليين من جميع المذاهب كلهم مطبقون على وجوبه، ومستندهم في ذلك تحقيق المناط. وإيضاح ذلك أنهم يعلمون أن الله يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل: ٤٣] ويرون أنه لم يبق مجتهد مستحق بأن يُستفتى فيفتي، وإذًا عندهم إذا كان لم يكن في الموجودين من هو أهل للفتوى يجب تقليد بعض الذين ماتوا وهم أهل للفتوى. ثم إنهم اختاروا مذاهب الأربعة وحصروا التقليد فيها دون غيرهم من فقهاء الأمصار، قالوا: لأنه لم يدون مذهب كتدوين المذاهب الأربعة فإن كلام الأئمة فيها دُوِّن ونوقش وسئلوا عن كل شيء حتى صار المتمذهب به على ثقة من أن هذه فتاوي ذلك الإمام الذي هو أهل للفتوى. قالوا: وغير المذاهب الأربعة من مذاهب الصحابة ومذاهب فقهاء الأمصار التي انقطعت أو لم تنتشر لم تكن بمثابة المذاهب الأربعة لما ذكرنا من إيضاحها وتحقيقها وتنقيحها؛ فلأجل هذا النوع من تحقيق المناط أوجبوا تقليد أحد هذه الأئمة الأربعة.

والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه ليس لأحد الحكم بالحصر على أنه لا يوجد من يكون أهلًا لأن يأخذ من كتاب الله وسنة نبيه.

وبالجملة فإن الاستقراء يدل على أن أصول الضلال كلها راجعة إلى أصلين: أحدهما: الإفراط، والثاني: التفريط، وأن الحق دائمًا

<<  <   >  >>