وإن يك العموم من وجه ظهر ... فالحكم بالترجيح حتمًا معتبر
والعلماء لما نظروا بين الآيتين وجدوا عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَينَ الْأُخْتَينِ}[النساء: ٢٣] أرجح من طرق متعددة توجب تقديمه على عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ} أحد هذه الطرق أن عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَينَ الْأُخْتَينِ}[النساء: ٢٣] نص في محل المدرك المقصود بالذات لإبانة هذا الحكم؛ لأن السورة -سورة النساء- والمحل هو الذي تعرض فيه القرآن لما يحل من النساء وما يحرم، فصرح فيه بمنع الأختين، أمّا آية {سَأَلَ سَائِلٌ}، وآية {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)} فلم تُسق واحدة منهما لتحريم امرأة ولا لتحليل أخرى، وإنما سيقتا لمدح المتقين فكان حفظ الفرج من جميع خصال المتقين، فاستطرد أنه لم يلزم عن الزوجة والسُّرية، والنص المسوق بالذات لإبانة الحكم أولى بالعمل من الذي لم يُسق لذلك.
الوجه الثاني: من هذه المرجحات: أن آية: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ}[المؤمنون: ٦] أجمع جميع العلماء أنها ليست باقية على عمومها بالإجماع؛ لأن الأخت من الرضاع لا تحل بملك اليمين إجماعًا؛ لإجماع جميع المسلمين على أن آية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ} يخصص عمومها بعموم قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}[النساء: ٢٣] وموطوءة الأب لا تحل بالإجماع لإجماع المسلمين أن آية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ} يخصص عمومها بعموم قوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء: ٢٢] والمقرر في الأصول -على أصح الوجهين- أنه إن تعارض عامَّان أحدهما مُخَصَّص