الشاهد أن الله بين في آيات البقرة التي تلوناها أن الأمّة بالنسبة إلى هذا الكتاب المنزل الذي هو أعظم نعمة أنزلها الله من السماء إلى الأرض، وعلمنا أن نحمده على إنزالها في غير ما آية، كقوله في أول سورة الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١)} [الكهف / ١]، أي: لم يجعل فيه اعوجاجًا كائنًا ما كان، لا من جهة الألفاظ، ولا من جهة المعاني، فألفاظه في غاية الإعجاز والسلامة من العيوب والوصمات، ومعانيه كلها في غاية الكمال، أخباره صدق، وأحكامه عدل {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام / ١١٥] أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام = بين أن الأمة بالنسبة إليه ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منها-: طائفة آمنت به ظاهرًا وباطنًا، وأبصرت هذا النور، فاهتدت بهذا النور، واتصلت على ضوئه بخالق الكون، فرأت الحق حقًّا والباطل باطلًا، والنافع نافعًا والضار ضارًّا، والحسن حسنًا، والقبيح قبيحًا. قال في هذه الطائفة: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة / ٢ - ٤] ثم أثنى عليهم بقوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)} [البقرة / ٥].
ثم بين أن هناك طائفة أخرى من الطوائف الثلاث بالنسبة إلى هذا القرآن الذي لا ريب فيه أنَّها طائفة -والعياذ بالله- كفرت به ظاهرًا