للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قِيْلَ: كَانَ لأَبِي ذُؤَيْبٍ الهذْلِيّ عشْرُوْنَ ابنًا وَبِنْتًا فَزَوَّجَ البَنَاتُ مِنَ الأَكفاءِ وَزَوَّجَ الأَبْنَاءُ فَصَارَ فِي ثَلَاثٍ وَسِتِّيْنَ نَفْسًا مِنْ أبٍ وَاحِدٍ وَبِنْتٍ وسْطٍ، فَلَمَّا وَقَعَ الطّاعُوْن فِي أَيام خلَافَةِ عُثْمَانَ هَلِكُوا بِأَجْمَعِهِمْ فِي أَيَّامٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُم إِلَّا الشَّيْخُ أَبُو ذُؤَيْبٍ وَحْدَهُ وَكَانَ مُوْسِرًا كَثِيْرَ المَالِ فَقَالَ يَرْثيْهِمْ:

أَمِنَ المَنُوْنِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ. البَيْتُ وَبَعْدَهُ:

قَالَتْ أُمَيْمَةُ مَا لِجِسْمَكَ شَاحِبًا ... مِنْذُ ابْتَلَيْتَ وَمِثْلُ مَالِكَ يَنْفَعُ

فَأَجبْتُهَا مَا أَنْ أُصيْبَ بِمِحْنَتِي ... أَحَدٌ وَمِثْلُ مُصيْبَتِي لَا تُسْمَعُ

أَوْدَى بُنَيَّ وَأَعْقَبُوا بِي حَسْرَةً ... حَتَّى المَمَاتَ وَحَسْرَتِي مَا تُقْلَعُ

فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ نَاضبٍ ... وَأخَالُ أَنِّي لَاحِقٌ مُتَتَبِّعُ

وَلَقَدْ حَرصْتُ بِأَنْ أُدَافِعَ عَنْهُمُ ... فَإِذَا المَنِيّةُ أَقْبَلَتْ لَا تُدْفَعُ

وَإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيْمَةٍ لَا تَنْفَعُ

وتجلّدي للشَّامتين أُرِيْهُمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أتَضَعْضَعُ

قَالَ: فَكَانَ يَخْرُجُ وَقَدْ أدَّهَنَ وَاكْتَحَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبسَ الحَسَنَ. . . من عَسَائِرِهِ فَيُحَادِثُهُمْ كَأَنَّهُ لَمْ يُفْجَعُ بِأَحَدٍ. قَالَ: ثَمَّ. . . وسألَ الكهَنَةَ عَنْ مَوْتهِ وَحَيَاتِهِ، فَقَالُوا. . . أَسْكَنْتهُ الجبَالَ مَاتَ فَأسْكنهُ الرِّمَالَ فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ (١):

يَقُوْلُوْنَ لِي لَوْ كَانَ بِالرَّمْلِ لَمْ يَمتْ ... تُشِيْبهُ وَالطُّرَّاقُ يَكْذِبُ قِيْلُهَا

وَلَوْ أَنَّنِي أَوْدَعْتهُ لِلشَّمْسِ لَارْتَقَتْ ... إِلَيْهِ المَنَايَا عَيْنُهَا وَرَسُوْلُهَا

يُقَالُ هَذِيْل أَشعَرُ قَبَائِلِ العَرَبِ وَأَبُو ذؤيب أَشعَرُ هذيلٍ وَأَمِيْرُ شعْره قَوْلهُ: أَمِنَ المَنُوْنِ وَرَيْبهَا تَتَوَجَّعُ. وَبَيْتُ القَصِيْدَةِ قَوْلهُ (٢):

والنفسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتهَا ... وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيْلٍ تَقْنَعُ

قَالَ وأَحْسَنُ مَا فِي القَصِيْدَةِ قَوْلهُ:


(١) البيت في أبي ذؤيب حياته وشعره: ٦٤.
(٢) الأبيات في أبي ذؤيب حياته وشعره: ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>