للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حسن، ورسائل وأخبار، ذكرت في التأريخ أكثرها، وكان بيني وبينه معرفةُ وصداقة واتحادٌ منذ سنة خمسين، ولمّا قدمتُ بغداد كنتُ أتردّد إلى خدمتِه، ويُشرّفني أيضًا بحضوره، ورثيته بأبيات أولها:

رَبع المعالي أضحى دارس الدِّمن ... والفضل بعدك أمسى ذاوي الغصنِ

منها:

يا أيُّها الفلك الدوار جرت ولم ... تعدل على فلك الدين الفتى الفطن

الفاضل الكامل المحمود سيرته ... العالم العامل المشكور ذي المنن" (١)

والنصُّ الذي نقلتُه -على طوله- فيه أشياء مُهمةً عن مؤلّفنا منها أنَّه لم يلتحق بخدمة هولاكو على نية الخيانة، ولكن على نية العلم كما التحق بهولاكو الفلكيُّ الكبير الخواجة نصير الدين الطوسي، ولو كان التحق به على نية الخيانة لاستوفى ثمنها منه، ولم يلحقه دَينٌ بعدَ وفاةِ هولاكو.

ومنها أنّ الرجل تزهّد بعد مفارقة هولاكو، وزهدُه ينسجم مع شيئين هما أن يُضطر إلى خدمة هولاكو طلبًا للرزق، وكتابُه ينضحُ بالوفاء للخليفة المستعصم، وأن يفقد ولديه الإثنين على غير انتظار (٢)، ولعلَّ هذا هو الذي أشار إليه صديقه ابنُ الفوطيّ في قوله: "فجاءه ما لم يكن في حسابه".

هذا ولم يكن ابنُ أيدمر ليخدم هولاكو بعد استيلائه على بغداد إلَّا على مضضٍ إن لم يكن يُشبه الموت فهو -دونما شكٍّ- من صنفِه، وإلّا فكيف يخدم رجلٌ قاتلَ أبيه؟

يقول المؤلف: "قال كاتبه محمد بن أيدمر عفا اللَّه عنهما: خدمتُ المستعصم رحمه اللَّه، واستُشهد والدي رحمه اللَّه بين الصفَّين بِبَزوغُى وهو الموضعُ الذي قامت


(١) ٤. ق ٣: ٥١٢ - ٥١٤، نقلا عن الدر ٥، ٦.
(٢) ينظر الدر الفريد ٥: ٢٧٢، وفيه: ". . . كنتُ بجامع القصر ببغداد يوم الجمعة، وإلى جانبي ولدين (كذا) لي رحمهما اللَّه: فاتفق أن صلّى إلى جنبنا شيخٌ غريبٌ فلما سلم من الصلاة نظر في وجوهنا مليًا ثم قال: وجوهُ عليها للقبول علامةُ. . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>