قِيْلَ: وَلَمَّا وُلِّي أَبُو العَبَّاسِ القَائِمُ، صَعِدَ المِنْبَرَ وَبِيَدِهِ قَضيْبٌ لِيَخْطُبَ، فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَهُ ثُمَّ قَالَ:
لَيْسَ كَمَا سَاءَ الوَليَّ وَسَرَّ العَدُوَّ، وَلَكِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَألْقَتْ عَصَاهَا. البَيْتُ
قَوْلُ مُعَقِّر بن حَمَارٍ البَارِقِيّ جَارِ بَنِي نُمَيْرٍ يَوْمَ جَبَلَةَ:
فَألْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهَا النَّوَى. البَيْتُ
كَانَ مِنْ حَدِيْثِ يَوْمِ جَبَلَةَ وَذَلِكَ قِبْلَ الإسْلَامِ بِخَمْسٍ وَأرْبَعِيْنَ سَنَةً أَنَّ لَقِيْطَ بنَ زَرَارَةَ غَزَا بَنِي عَامِرٍ بن صَعْصعَةَ وِمَعَهُمْ بَنُو عَبْسٍ وَمَعَ لَقِيْطٍ جَمْعٌ عَظيْمٌ مِنْ تَمِيْمٍ وَغَيْرِهِم وَمَعَهُ أَيْضًا ابْنَا الجَوْنِ الكَنَدِيَّانِ وَحَسَّانُ بن وَبْرَةٍ الكَلْبِيُّ أخُو النُّعْمَانِ لأمِّهِ بَعَثَهُ النُّعْمَانُ مَعَ لَقِيْطٍ. فَقَالَ الأحْوَصُ بن جَعْفَرَ بن كِلَابٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَحَى هَوَازِنَ لقَيْسِ بن زُهَيْرٍ: مَاذَا تَرَى فَإِنَّكَ تَزْعُم أَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَكَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلَّا وَجَدْتَ فِي أحَدِهِمَا المَخْرَجَ؟ فَقَالَ: الرَّأيُ عِنْدِي أنْ تَرْحَلَ بِالقَبَائِلِ وَالذَّرَارِي وَالأَمْوَالِ حَتَّى تُدْخِلَهَا جَبَلَةَ وَلَا تَدَعُ مُلَاءَتَهُ فقد جَاءَكَ مَا لَا قَبِلَ لَكَ بِهِ، فَتُقَاتِل القَوْمُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَإنَّهُمْ دَاخِلُونَ عَلَيْكَ الشِّعبَ وَلَقِيْطٌ رَجُلٌ فِيْهِ إقْدَامٌ فَلَاُ بدَّ لَهُ أنْ يَقْتَحِمَ عَلَيْكَ وَتَأمُرَ بِالإبْلِ أنْ تُعْقَلَ وَلَا تُرْعَى وَنَجْعَلُ الذَّرَارِيُ خَلْفَ ظُهُورِنَا وَنُوَكِّلَ بهَا الرّجَالَةَ فَإِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ الشِّعبَ فَالتَفَّ عَلَى آخِرِهِم ألوتِ الرَّبَايَا فَإِذَا ألوَتْ حَلَّت الرِّجَالُ عقلَ الإبِلِ وَلَزِمَتْ أذْنَابَهَا فَإنَّهَا تَنْحَدِرُ عَلَيْهِم وَتَحِنُّ إِلَى مَرْعَاهَا وَورْدِهَا فَلَا يَرُدُّ وَجْهَهَا شَيْءٌ وَيَخْرجُ الفُرْسَانُ فِي أكْسَاءِ الرِّجَالِ الذين خَلْفَ الإبِلِ فَإنَّهَا تُحَطِّمُ مَا لَقِيَتْ وَيُقْبِلُ عَلَيْهِم القَوْمُ وَقَدْ حُطِّمُوا مِنْ عَلُ. فَقَالَ الأحْوَصُ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ وَأخَذَ بِرَأيِهِ وَعَقَلَ الإبِلِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأقْبَلَ لَقِيْط وَالملُوكُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ القِطِيْنِ فَوَجَدُوا القَوْمَ قد تَحَصَّنوا بجبلة، فقال رجلٌ للملك: دعَ القوم يَعْطَشُوا وَتَجُوعُ إبْلُهُم فَيَهْلِكُوا وَيَتَنَاثَرُوا عَلَيْكَ تَنَاتُرَ البَعرِ مِنْ أسْتِ الجَّملِ فَأبَى لَقِيْطٌ لِقُدْرَتهِ فِي نَفْسِهِ وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ وَحَلَّلَتْ بَنُو عَامِرٍ عُقُلَ الإبلِ فَأقْبَلَتْ تَهْوِي وَسَمِعَ القَوْمُ دَوِيًّا فَظَنُّوا أَنَّ الشِّعْبَ قد تدهدى عَلَيْهِم فَدَقَّتْ مَا لَقِيَتْ وَقُتِلَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لَقِيْطٌ وَأُسِرَ حَاجِبٌ وَأخُوْهُ وَأُسِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute