حمله على هذا الاختيار فجاءت موزعة على سبعة وستين شاعرًا، منهم ستة شعراء إسلاميون وأربعة عشر مخضرمون والباقون جاهليون لم يدركوا الإسلام وعلى الرغم من اختلاف عددها الذي وصل إلينا وهو يتراوح بين مائة وست وعشرين قصيدة وما أضيف إليها وهو أربع قصائد وجدت في بعض النسخ فان ثمانين قصيدة منها هي أصل الكتاب ولا بد أن تظل قصائد الشعراء الذين اختيرت لهم هذه القصائد بعيدة عن الاستشهاد، وإذا عمدنا إلى النص الذي رواه صاحب الأمالي بشأن طريقة الاختيار لأدركنا أنها كانت من أشعار المقلين وأنها اختيرت لتأديب الفتيان وأنها تمثل أجود ما عند الشاعر في ذوق المفضل، وقد روعيت فيها خصال الأدب وطبائع الكرم ومآثر الشجاعة ومناقب الآباء وبهذا خسرنا مجاميع من الشعراء لم نظفر فيها إلا بما أورده المفضل وما يقال عن المفضليات يقال عن الأصمعيات والحماسات والنوادر والأمالي والجمهرة والاختيارين ويأتي صاحب منتهى الطلب لينص على ذلك فيقول: ولم أخل بذكر أحد من شعراء الجاهلية والإسلاميين الذين يستشهد بشعرهم إلا من لم أقف على مجموع شعره ولم أره في خزانة وقف ولا غيرها وإنما كتبت لكل واحد ممن ذكرت أفصح ما قال وأجوده حتى لو سبر ذلك على منتقد بعلم عرف صدق ما قلت واخترت هذه القصائد، وقد جاوزت ستين سنة بعد أن كنت قد نشأت ويفعت مبتلى بهذا الفن. وقد أكدت دواوين الشعراء التي صدرت كمية الشعر التي أغنى بها هذا السفر الخالد الشعر العربي وما أضافت تلك القصائد إلى الأغراض الشعرية وما يمكن أن تقدمه إلى دراسة الأدب وتاريخه وما ترفد به حركة النقد وتضيفه إلى الخصائص الفنية.
وفي كل مرحلة من هذه المراحل تختزل مجاميع من الشعراء وتفقد أعداد من قصائدهم ليضيع في ثناياها جهد عقلي وحس وجداني وعاطفة إنسانية وتعبير إبداعي تمخض عن معاناة صعبة استخلص من تجربة قاسية. وقد أجود العلماء الأوائل عقولهم في استنباط العلوم وحفلت المكتبة العربية بتلك الجهود التي ظلت موضع عناية ومنار هداية دهرًا طويلًا يستمد منها الباحثون علومهم وينهلون من مواردها العذبة ما يروي ظمأهم ويغني معرفتهم، ولا تزال أنوار تلك العقول تشع على العالم