للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتملأ زواياه بما أفاضت به على الحضارات عطاء خيرًا وعلومًا نافعة أنارت دروب البشرية وأنقذتها من مهاوي الضلال وكرمت الإنسان بما أنعم اللَّه عليه من نِعَم الوفاء وفضيلة التسامح وعزة النفس ولما اتصفت به من تواضع وتميزت به من دقة وعرفت به من أمانة.

وبقيت بعض هذه الكنوز حبيسة المكتبات ورهينة النسيان الذي طوى أفكارها وأخفى علومها ففقدت الأمة من وسائل المعرفة أكداسًا ضخمة وتوزعت أعدادًا كبيرة من هذه الأسفار في أماكن بعيدة فعانت التآليف من غربة المكان واغتراب الصُّحبة وما أوشك أن يطفئ نورها ويضعف قوتها ويفقدها رونقها الذي ظل زاهيًا على امتداد العصور والأزمان. وإذا كانت هناك أعمال جليلة يضطلع بها الرجال المؤمنون بتراث الأمة فإن معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية يقف على رأس المؤسسات الكبيرة التي تقدم في كل يوم مجموعة من النوادر الفريدة والمصادر التراثية المحمودة وبجهود مديره (الدكتور فؤاد سزكين) والعاملين الذين يواصلون العلم ليل نهار من أجل تصوير تلك المخطوطات في سلسلة عيون التراث ليضعوا بين يدي القارئ تلك الفرائد. . ويمثل كتاب (الدر الفريد وبيت القصيد) لمحمد بن أيدمر واحدًا من تلك الكتب التي نهجت نهجًا جديدًا في التأليف وسلكت مسلكًا في الاختيار إذ قال مؤلفه: لم أجهل قول القائل لا يزال الرجل في أمان من عقله وسلامة في عرضه حتى يقول شعرًا أو يؤلف كتابًا فحينئذ عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان وما عدوت أن ألفت فاستهدفت وها أنا أعتذر إلى المطلع فيما جمعته والواقف على ما استحسنته فسطرته، من خلل فيه إن وجده أو زلل لم أقصد تعمده.

ثم يقول: ومما لا ريب فيه أن جماعة من الفضلاء وأعيان الكتاب والأدباء سبقوا إلى ترصيع ما وضعوه وتزيين ما ألفوه وجمعوه بلمع من جواهر الأبيات الأفراد المتداولة في التمثيل والاستشهاد إلَّا أنهم لما رأوا مرامها بعيدًا وتحصيلها صعبًا شديدًا أحجموا عن الإيغال في الإكثار من إثبات أبياتها وقصرت عزائمهم عن الانتهاء إلى غاياتها لأنها قليلة جدًا معدودة عدًا ولا تكاد تضاد إلَّا في النادر من ألفاظ الرجال أجاد الأمثال فأما أنا فإنني أنفقت على ابتغائها بضعة من أعوام العمر وأنفذت في

<<  <  ج: ص:  >  >>