أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بركته وآثار صحبته. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الإسلام ومَهَّدَ أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجًا وأنزل الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: ٣] ثم توفي - صلى الله عليه وسلم - فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرًا. وهو المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ذنوبًا أو ذنوبين» وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام، ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبّر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقي لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في أبي بكر رضي الله عنه:«وفي نزعه ضعف» فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر ولا إثبات فضيلة لعمر عليه وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات ومصّر الأمصار ودَوَّن الدواوين. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والله يغفر له» فليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة، وقد سبق في الحديث في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك. قال العلماء: وفي كل هذا إعلام بخلافة أبي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه» أما يفري فبفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الراء، ,أما فريه فروي بوجهين. أحدهما: فريه بإسكان الراء وتخفيف الياء. والثاني: كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان. وأنكر الخليل التشديد وقال: هو غلط؛ واتفقوا على أن معناه لم أر سيدًا يعمل عمله ويقطع قطعه، وأًل الفري بالإسكان القطع. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «حتى