ومن أهم الآثار الواردة في ذلك أيضًا قول حذيفة رضي الله عنه:«كأن علم الناس كلهم قد دسّ في جحر مع علم عمر» ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب". ورواه ابن سعد في "الطبقات" بإسناد رجاله كلهم ثقات إلا أن فيه انقطاعًا بين شمر بن عطية وبين حذيفة رضي الله عنه فإنه لم يدركه. وقال عمرو بن ميمون:«ذهب عمر بثلثي العلم» فذكر ذلك لإبراهيم النخعي فقال: «ذهب عمر بتسعة أعشار العلم» رواه الدارمي، وبهذا يعلم مطابقة حال عمر في العلم لما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه وما قاله في تأويل رؤياه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ومن الرؤيا التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَوَّلّها ما جاء في حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثُّدِيَّ، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره»، قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله، قال:«الدين» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والدارمي وابن حبان.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" قالوا: وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف: ٢٦] الآية. والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالقميص.
واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده. وفي الحديث: أن أهل الدين يتفاضلون في الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف، وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة أعني جر القميص لما ثبت من الوعيد في تطويله. قال: وفيه فضيلة لعمر. انتهى. وقال الحافظ في موضع آخر من "فتح الباري": وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم